وَأَمَّا الْمُحَرَّمَةُ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْبُخَارِيُّ وَجَمَاعَةٌ: نِكَاحُ الْمُحَرَّمِ جَائِزٌ بِالْعَقْدِ دُونَ الْوَطْءِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ، وَلَا عُمْدَةَ لَهُمَا فِيهِ إلَّا حَدِيثُ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ، خَرَّجَهُ مَالِكٌ: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكَحُ». وَضَعَّفَ الْبُخَارِيُّ نُبَيْهَ بْنَ وَهْبٍ، وَتَعْدِيلُ مَالِكٍ وَعِلْمُهُ بِهِ أَقْوَى مِنْ عِلْمِ كُلٍّ بُخَارِيٍّ وَحِجَازِيٍّ، فَلَا يُلْتَفَتُ لِغَيْرِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ فِي «مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَهَا مُحْرِمًا»، فَعَجَبًا لِلْبُخَارِيِّ يُدْخِلُهُ مَعَ عَظِيمِ الْخِلَافِ فِيهِ وَيَتْرُكُ أَمْثَالَهُ، وَلَا يُعَارَضُ حَدِيثُ نُبَيْهِ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ. وَالْمَسْأَلَةُ عَظِيمَةٌ قَدْ بَيَّنَّاهَا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.
وَأَمَّا نِكَاحُ الْمَرِيضِ فَمِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ؛ وَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ؛ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ؛ وَكَذَلِكَ الْيَتِيمَةُ الصَّغِيرَةُ لَا تُزَوَّجَ بِحَالٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُزَوِّجُهَا وَلِيُّهَا، وَلَهَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ؛ فَأَفْسَدَ مَا بَنَى وَجَعَلَ حَلًّا مُتَرَقَّبًا، وَهِيَ طُيُولِيَّةٌ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. فَهَذِهِ جُمَلٌ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ ثَبَتَتْ فِي الشَّرِيعَةِ بِأَدِلَّتِهَا وَخُصَّتْ مِنْ قَوْلِهِ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤]. وَتَرَكَّبَ عَلَى هَذَا مَا إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ، هَلْ يُثْبِتُ زِنَاهُ حُرْمَةً فِي فُرُوعِهَا وَأُصُولِهَا؟ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ وَدَعْ مَنْ رَوَى، وَمَا رُوِيَ. أَقَامَ مَالِكٌ عُمْرَهُ كُلَّهُ يَقْرَأُ عَلَيْهِ الْمُوَطَّأَ وَيَقْرَأَهُ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِيهِ: إنَّ الْحَرَامَ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ، وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ بَيِّنَاهَا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: ٢٤]: يَعْنِي بِالنِّكَاحِ أَوْ بِالشِّرَاءِ، فَأَبَاحَ اللَّهُ الْحَكِيمُ الْفُرُوجَ بِالْأَمْوَالِ وَالْإِحْصَانِ دُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute