للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بَدَلًا عَنْ حَقْنِ الدَّمِ وَسُكْنَى الدَّارِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ مِنْ أَهْلِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ: إنَّمَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ النُّصْرَةِ بِالْجِهَادِ.

وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ، وَزَعَمَ أَنَّهُ سِرُّ اللَّهِ فِي الْمَسْأَلَةِ.

وَاسْتَدَلَّ عُلَمَاؤُنَا عَلَى أَنَّهَا عُقُوبَةٌ [بِأَنَّهَا] وَجَبَتْ بِسَبَبِ الْكُفْرِ، وَهُوَ جِنَايَةٌ؛ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُسَبِّبُهَا عُقُوبَةً؛ وَلِذَلِكَ وَجَبَتْ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ، وَهُمْ الْبَالِغُونَ الْعُقَلَاءُ الْمُقَاتِلُونَ.

وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ حَقْنِ الدَّمِ، وَسُكْنَى الدَّارِ أَنَّهَا تَجِبُ بِالْمُعَاقَدَةِ وَالتَّرَاضِي، وَلَا تَقِفُ الْعُقُوبَاتُ عَلَى الِاتِّفَاقِ وَالرِّضَا.

وَأَيْضًا فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَلَا تَخْتَلِفُ الْعُقُوبَاتُ بِذَلِكَ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ الْجِزْيَةَ تَجِبُ مُؤَجَّلَةً، وَالْعُقُوبَاتُ تَجِبُ مُعَجَّلَةً؛ وَهَذَا لَا يَصِحُّ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهَا وَجَبَتْ بِالرِّضَا فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يُعْطُوهَا قَسْرًا.

وَأَمَّا إنْكَارُهُمْ اخْتِلَافَ الْعُقُوبَاتِ بِالْقِلَّةِ وَالْيَسَارِ فَذَلِكَ بَاطِلٌ مِنْ الْإِنْكَارِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَبْعُدُ فِي الْعُقُوبَاتِ الْبَدَنِيَّةِ دُونَ الْمَالِيَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعُقُوبَاتِ الْبَدَنِيَّةَ تَخْتَلِفُ بِالثُّيُوبَةِ، وَالْبَكَارَةِ، وَالْإِنْكَارِ، فَكَمَا اخْتَلَفَتْ عُقُوبَةُ الْبَدَنِ بِاخْتِلَافِ صِفَةِ الْمُوجَبِ عَلَيْهِ لَا يُسْتَنْكَرُ أَنْ يَخْتَلِفَ عُقُوبَةُ الْمَالِ بِاخْتِلَافِ صِفَةِ الْمَالِ فِي الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ.

وَأَمَّا تَأْجِيلُهَا فَإِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ مَصْلَحَةً، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِضَرْبَةِ لَازِبٍ فِيهَا. وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَاهَا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.

وَفَائِدَتُهَا أَنَّا إذَا قُلْنَا: إنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الْقَتْلِ فَإِذَا أَسْلَمَ سَقَطَتْ عَنْهُ لِسُقُوطِ الْقَتْلِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا دَيْنٌ اسْتَقَرَّ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يُسْقِطُهُ الْإِسْلَامُ كَأُجْرَةِ الدَّارِ.

[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: شَرَطَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ، وَهُمَا قَوْلُهُ: {عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩]؛ لِلْفَرْقِ بَيْنَ مَا يُؤَدَّى عُقُوبَةً وَهِيَ الْجِزْيَةُ، وَبَيْنَ مَا يُؤَدَّى طُهْرَةً وَقُرْبَةً وَهِيَ الصَّدَقَةُ، حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>