وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّهُ يَرْجِعُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ. وَالصَّحِيحُ رُجُوعُهُ إلَى الْجَمِيعِ لُغَةً وَشَرِيعَةً، أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: ٣٣] {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: ٣٤] وَهَذِهِ الْآيَةُ أُخْتُهَا وَنَظِيرَتُهَا فِي الْمَقْصُودِ.
وَأَمَّا قَبُولُ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْحَدِّ؛ فَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَحَالُهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْكَذِبِ السَّالِبِ لِلْعَدَالَةِ، وَبَيْنَ الصِّدْقِ الْمُصَحِّحِ لَهَا، فَلَا يَسْقُطُ يَقِينٌ لَهُ بِمُحْتَمَلِ مَقَالِهِ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ ضَعْفُ مَقَالَةِ شُرَيْحٍ.
وَأَمَّا قَوْلُ إبْرَاهِيمَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لَهُ.
[الْآيَة الْخَامِسَة قَوْله تَعَالَى وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ]
الْآيَةُ الْخَامِسَةُ
قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: ٦].
فِيهَا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي سَبَبِ نُزُولِهَا:
وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَنْزَلَ قَوْلَهُ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٤] الْآيَةَ كَانَ ذَلِكَ عَامًّا فِي الزَّوْجَاتِ وَغَيْرِهِنَّ، فَلَمَّا عَلِمَ اللَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ الْخَلْقِ فِي التَّكَلُّمِ بِحَالِ الزَّوْجَاتِ جَعَلَ لَهُمْ مَخْلَصًا مِنْ ذَلِكَ بِاللِّعَانِ، عَلَى مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: ٤]. قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: أَهَكَذَا نَزَلَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ لَوْ أَتَيْت لَكَاعِ وَقَدْ تَفَخَّذَهَا رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ لِي أَنْ أُهَيِّجَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute