{أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} [يوسف: ٢١] إلَخْ. الثَّانِي: بِنْتُ شُعَيْبٍ فِي فِرَاسَةِ مُوسَى حِينَ قَالَتْ: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص: ٢٦]. الثَّالِثُ: أَبُو بَكْرٍ حِينَ وَلَّى عُمَرَ قَالَ: أَقُولُ لِرَبِّي وَلَّيْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَهُمْ.
قَالَ الْفَقِيهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: عَجَبًا لِلْمُفَسِّرِينَ فِي اتِّفَاقِهِمْ عَلَى جَلْبِ هَذَا الْخَبَرِ، وَالْفِرَاسَةُ هِيَ عِلْمٌ غَرِيبٌ، حَدُّهُ وَحَقِيقَتُهُ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ الِاسْتِدْلَال بِالْخَلْقِ عَلَى الْخَلْقِ فِيمَا لَا يَتَعَدَّى الْمُتَفَطِّنُونَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصِّيَغِ وَالْأَغْرَاضِ، فَأَمَّا أَمْرُ الْعَزِيزِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ فِرَاسَةً؛ لَأَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَلَامَةٌ ظَاهِرَةٌ.
وَأَمَّا بِنْتُ شُعَيْبٍ فَكَانَتْ مَعَهَا الْعَلَامَةُ الْبَيِّنَةُ. أَمَّا الْقُوَّةُ فَعَلَامَتُهَا رَفْعُ الْحَجَرِ الثَّقِيلِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَرْفَعَهُ، وَأَمَّا الْأَمَانَةُ فَبِقَوْلِهِ لَهَا وَكَانَ يَوْمًا رِيَاحًا: امْشِي خَلْفِي لِئَلَّا تَصِفَكِ الرِّيحُ بِضَمِّ ثَوْبَكِ لَكِ، وَأَنَا عِبْرَانِيٌّ لَا أَنْظُرُ فِي أَدْبَارِ النِّسَاءِ.
وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فِي وِلَايَةِ عُمَرَ فَبِالتَّجْرِبَةِ فِي الْأَعْمَالِ، وَالْمُوَاظَبَةِ عَلَى الصُّحْبَةِ [وَطُولِهَا]، وَالِاطِّلَاعِ عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْهُ، مِنْ الْعِلْمِ وَالْمُنَّةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْفِرَاسَةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْآيَة السَّابِعَة قَوْله تَعَالَى وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا]
الْآيَةُ السَّادِسَةُ:
قَوْله تَعَالَى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: ٢٢].
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: {أَشُدَّهُ} [يوسف: ٢٢] فِي لُغَتِهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ، كَالْإِصْرِ وَالْأَشَرِّ.
الثَّانِي: أَنَّ وَاحِدَهُ شِدَّةٌ كَنِعْمَةٍ وَأَنْعُمٍ؛ قَالَهُ سِيبَوَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute