للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

، فَيَا لِلَّهِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ وَالْعَالَمِينَ مِنْ شَيْخٍ فَاسِدٍ وَسُوسٍ هَامِدٍ، لَا يَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَافِيَةً لِمَا زَعَمُوا، مُبْطِلَةً لِمَا رَوَوْا وَتَقَوَّلُوا، وَهُوَ:

الْمَقَامُ السَّادِسُ: وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْعَرَبِيِّ: كَادَ يَكُونُ كَذَا: مَعْنَاهُ قَارَبَ وَلَمْ يَكُنْ؛ فَأَخْبَرَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُمْ قَارَبُوا أَنْ يَفْتِنُوهُ عَنْ الَّذِي أُوحِيَ إلَيْهِ، وَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ، ثُمَّ قَالَ: لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ. وَهُوَ:

الْمَقَامُ السَّابِعُ: وَلَمْ يَفْتَرِ، وَلَوْ فَتَنُوك وَافْتَرَيْت لَاتَّخَذُوك خَلِيلًا، فَلَمْ تُفْتَتَنْ وَلَا افْتَرَيْت، وَلَا عَدُّوك خَلِيلًا. وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاك وَهُوَ:

[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا]

الْمَقَامُ الثَّامِنُ: {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا} [الإسراء: ٧٤]؛ فَأَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّهُ ثَبَّتَهُ، وَقَرَّرَ التَّوْحِيدَ وَالْمَعْرِفَةَ فِي قَلْبِهِ، وَضَرَبَ عَلَيْهِ سُرَادِقَ الْعِصْمَةِ، وَآوَاهُ فِي كَنَفِ الْحُرْمَةِ. وَلَوْ وَكَّلَهُ إلَى نَفْسِهِ، وَرَفَعَ عَنْهُ ظِلَّ عِصْمَتِهِ لَحْظَةً لَأَلْمَمَت بِمَا رَامُوهُ، وَلَكِنَّا أَمَرْنَا عَلَيْك بِالْمُحَافَظَةِ، وَأَشْرَقْنَا بِنُورِ الْهِدَايَةِ فُؤَادَك، فَاسْتَبْصِرْ وَأَزِحْ عَنْك الْبَاطِلَ، وَادْحَرْ.

فَهَذِهِ الْآيَةُ نَصٌّ فِي عِصْمَتِهِ مِنْ كُلِّ مَا نُسِبَ إلَيْهِ، فَكَيْفَ يَتَأَوَّلُهَا أَحَدٌ؟ عَدُّوا عَمَّا نُسِبَ مِنْ الْبَاطِلِ إلَيْهِ.

الْمَقَامُ التَّاسِعُ:

قَوْلُهُ: فَمَا زَالَ مَهْمُومًا حَتَّى نَزَلَتْ عَلَيْهِ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ} [الحج: ٥٢] الْآيَةَ.

فَأَمَّا غَمُّهُ وَحُزْنُهُ فَبِأَنْ تَمَكَّنَ الشَّيْطَانُ مِمَّا تَمَكَّنَ، مِمَّا يَأْتِي بَيَانُهُ؛ وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعِزُّ عَلَيْهِ أَنْ يَنَالَ الشَّيْطَانُ مِنْهُ شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ تَأْثِيرُهُ.

[مَسْأَلَة بَرَاءَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا نُسِبَ إلَيْهِ]

الْمَقَامُ الْعَاشِرُ:

أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَصٌّ فِي غَرَضِنَا، دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِنَا، أَصْلٌ فِي بَرَاءَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا نُسِبَ إلَيْهِ أَنَّهُ قَالَهُ عِنْدَنَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: ٥٢] فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مِنْ سُنَّتِهِ فِي رُسُلِهِ وَسِيرَتِهِ فِي أَنْبِيَائِهِ أَنَّهُمْ إذَا قَالُوا عَنْ اللَّهِ قَوْلًا زَادَ الشَّيْطَانُ فِيهِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، كَمَا يَفْعَلُ سَائِرُ الْمَعَاصِي، كَمَا تَقُولُ: أَلْقَيْت فِي الدَّارِ كَذَا، وَأَلْقَيْت فِي الْعِكْمِ كَذَا، وَأَلْقَيْت فِي الْكِيسِ كَذَا.

فَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الشَّيْطَانَ زَادَ فِي الَّذِي قَالَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>