وَالْفُقَهَاءُ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَحَكَى الْعُلَمَاءُ عَنْ مَالِكٍ الْقَوْلَ بِشِبْهِ الْعَمْدِ، وَأَنَّ الْقَتْلَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ، وَلَكِنْ جُعِلَ شِبْهُ الْعَمْدِ فِي مِثْلِ قِصَّةِ الْمُدْلِجِيِّ فِي نَظَرِ مَنْ أَثْبَتَهُ أَنَّ الضَّرْبَ مَقْصُودٌ وَالْقَتْلَ غَيْرُ مَقْصُودٍ؛ وَإِنَّمَا وَقَعَ بِغَيْرِ الْقَصْدِ فَيَسْقُطُ الْقَوْدُ، وَتَغْلُظُ الدِّيَةُ. وَبَالَغَ أَبُو حَنِيفَةَ مُبَالَغَةً أَفْسَدَتْ الْقَاعِدَةَ، فَقَالَ: إنَّ الْقَاتِلَ بِالْعَصَا وَالْحَجَرِ شِبْهَ الْعَمْدِ فِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ وَلَا قَوْدَ فِيهِ، وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا، وَقَدْ مَهَّدْنَاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.
[الْآيَة السَّادِسَة وَالْأَرْبَعُونَ قَوْله تَعَالَى يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا]
الْآيَةُ السَّادِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ:
قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: ٩٤]. فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: وَفِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: «إنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي مَغَازِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ؛ فَلَمَّا عَلَاهُ بِالسَّيْفِ قَالَ الْمُشْرِكُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. فَقَالَ الرَّجُلُ: إنَّمَا يَتَعَوَّذُ بِهَا مِنْ الْقَتْلِ؛ فَأَتَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَيْفَ لَك بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّمَا يَتَعَوَّذُ. فَمَا زَالَ يُعِيدُهَا عَلَيْهِ: كَيْفَ لَك بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟» فَقَالَ الرَّجُلُ: وَدِدْت أَنِّي أَسْلَمْت ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَأَنَّهُ يَبْطُلُ مَا كَانَ لِي مِنْ عَمَلٍ قَبْلَ ذَلِكَ، وَأَنِّي اسْتَأْنَفْت الْعَمَلَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ مُطْلَقًا هُوَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ، رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ، أَصْلُهُ أَبُو ظَبْيَانَ عَنْ أُسَامَةَ، رَوَاهُ عَنْهُ الْأَعْمَشُ، وَحُصَيْنُ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute