وَالْفَسَادُ فِي الْأَرْضِ هُوَ الْإِذَايَةُ لِلْغَيْرِ. وَالْإِذَايَةُ لِلْغَيْرِ عَلَى قِسْمَيْنِ: خَاصٌّ، وَعَامٌ؛ وَلِكُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا جَزَاؤُهُ الْوَاقِعُ وَحْدَهُ الرَّادِعُ، حَسْبَمَا عَيَّنَهُ الشَّرْعُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعُمُومِ فَجَزَاؤُهُ مَا فِي الْآيَةِ بَعْدَ هَذِهِ مِنْ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ.
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى: {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: ٣٢] ظَاهِرُهُ خِلَافُ مُشَاهَدَتِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ إلَّا وَاحِدًا، وَلَكِنَّهُ تَحَمَّلَ أَوْجُهًا مِنْ الْمَجَازِ. مِنْهَا: أَنَّ عَلَيْهِ إثْمَ مَنْ قَتَلَ جَمِيعَ النَّاسِ، وَلَهُ أَجْرُ مَنْ أَحْيَا جَمِيعَ النَّاسِ إذَا أَصَرُّوا عَلَى الْهَلَكَةِ. وَمِنْهَا: أَنَّ مَنْ قَتَلَ وَاحِدًا فَهُوَ مُتَعَرِّضٌ لَأَنْ يَقْتُلَ جَمِيعَ النَّاسِ، وَمَنْ أَنْقَذَ وَاحِدًا مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ أَوْ عَدُوٍّ فَهُوَ مُعَرَّضٌ لَأَنْ يَفْعَلَ مَعَ جَمِيعِ النَّاسِ ذَلِكَ؛ فَالْخَيْرُ عَادَةٌ وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ.
وَرُوِيَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ، ثُمَّ جَاءَ عَالِمًا فَسَأَلَهُ: هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ لَهُ: لَا، فَكَمَّلَ الْمِائَةَ بِهِ، ثُمَّ جَاءَ غَيْرَهُ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: لَك تَوْبَةٌ» الْحَدِيثَ «إلَى أَنْ قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ». وَمِنْهَا: أَنَّ مَنْ قَتَلَ وَاحِدًا فَقَدْ سَنَّ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ، فَكُلُّ مَنْ يَقْتُلُ يَأْخُذُ بِحَظِّهِ مِنْ إثْمٍ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَحْيَا مِثْلُهُ فِي الْأَجْرِ، ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ إلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا»؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنّ الْقَتْلَ.
[الْآيَة الثَّانِيَة عَشْرَة قَوْله تَعَالَى إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ]
ُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: ٣٣] {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: ٣٤]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute