أَمَّا الطَّبَرِيُّ فَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ يَتَعَدَّى بِحَرْفِ الْجَرِّ، فَيُقَالُ: أَنْسَأَ اللَّهُ فِي أَجَلِك، كَمَا تَقُولُ: زَادَ اللَّهُ فِي أَجَلِك، وَتَقُولُ: أَنْسَأَ اللَّهُ فِي أَجَلِك أَيْ زَادَهُ مُدَّةً، وَاكْتَفَى بِأَحَدِ الْمَفْعُولَيْنِ عَنْ الثَّانِي، وَمَنَعَ مِنْ قِرَاءَتِهِ بِغَيْرِ الْهَمْزِ، وَرَدَّ عَلَى نَافِعٍ، وَقَالَ: لَا يَكُونُ بِتَرْكِ الْهَمْزِ إلَّا مِنْ النِّسْيَانِ، كَمَا قَالَ: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: ٦٧].
وَاحْتَجَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ التَّأْخِيرُ بِنَقْلِ الْعَرَبِ لِهَذَا التَّفْسِيرِ عَنْ أَوَائِلِهَا، وَقَيَّدَ ذَلِكَ عَنْهُمْ مَشْيَخَةُ الْعَرَبِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نَنْسَأْهَا، أَيْ نُؤَخِّرْهَا، مَهْمُوزَةٌ، وَقَدْ تُخَفَّفُ الْهَمْزُ، كَمَا يُقَالُ خَطِيَّةٌ وَخَطِيئَةٌ، وَالصَّابِيُونَ وَالصَّابِئُونَ، وَتَخْفِيفُ الْهَمْزِ أَصْلٌ، وَنَقْلُ الْحَرَكَةِ أَصْلٌ، وَالْبَدَلُ وَالْقَلْبُ أَصْلٌ كُلُّهُ لُغَوِيٌّ، وَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْفَى هَذَا عَلَى الطَّبَرِيِّ.
وَأَمَّا فَصْلُ التَّعَدِّي فَضَعِيفٌ؛ فَإِنَّ الْأَفْعَالَ الْمُتَعَدِّيَةَ بِالْوَجْهَيْنِ مِنْ وُجُوهِ حَرْفِ الْجَرِّ، وَفِي تَعَدِّيهَا بِهِ، وَعَدَمِهِ كَثِيرَةٌ.
[مَسْأَلَة كَيْفِيَّةُ النَّسِيءِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: كَيْفِيَّةُ النَّسِيءِ: ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ جُنَادَةَ بْنَ عَوْفِ بْنِ أُمَيَّةَ الْكِنَانِيَّ كَانَ يُوَافِي الْمَوْسِمَ كُلَّ عَامٍ، فَيُنَادِي: أَلَا إنَّ أَبَا ثُمَامَةَ لَا يُعَابُ وَلَا يُجَابُ، أَلَا وَإِنَّ صَفَرًا الْعَامَ الْأَوَّلَ حَلَالٌ، فَنُحَرِّمُهُ عَامًا، وَنُحِلُّهُ عَامًا، وَكَانُوا مَعَ هَوَازِنَ وَغَطَفَانَ وَبَنِي سُلَيْمٍ. وَفِي لَفْظَةٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنَّا قَدَّمْنَا الْمُحَرَّمَ وَأَخَّرْنَا صَفَرًا، ثُمَّ يَأْتِي الْعَامُ الثَّانِي فَيَقُولُ: إنَّا حَرَّمْنَا صَفَرًا وَأَخَّرْنَا الْمُحَرَّمَ؛ فَهُوَ هَذَا التَّأْخِيرُ.
الثَّانِي: الزِّيَادَةُ؛ قَالَ قَتَادَةُ: عَمَدَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالَةِ فَزَادُوا صَفَرًا فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، فَكَانَ يَقُومُ قَائِمُهُمْ فِي الْمَوْسِمِ فَيَقُولُ: أَلَا إنَّ آلِهَتَكُمْ قَدْ حَرَّمَتْ الْعَامَ الْمُحَرَّمَ، فَيُحَرِّمُونَهُ ذَلِكَ الْعَامَ، ثُمَّ يَقُومُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَيَقُولُ: أَلَا إنَّ آلِهَتَكُمْ قَدْ حَرَّمَتْ صَفَرًا فَيُحَرِّمُونَهُ ذَلِكَ الْعَامَ، وَيَقُولُونَ: الصَّفَرَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute