فَأَمَّا قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَإِطْعَامُ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ عَلَى التَّخْيِيرِ لَا عَلَى التَّرْتِيبِ بِمَا يَقْتَضِيه حَرْفُ " أَوْ " فِي لِسَانِ الْعَرَبِ.
وَأَمَّا تَقْدِيرُ الطَّعَامِ فِي الظَّبْيِ بِسِتَّةِ مَسَاكِينَ، وَفِي الْبَدَنَةِ بِثَلَاثِينَ مِسْكِينًا فَلَيْسَ بِتَقْدِيرٍ نَافِذٍ؛ وَإِنَّمَا هُوَ تَحَكُّمٌ بِاخْتِيَارِ قِيمَةِ الطَّعَامِ بِالدَّرَاهِمِ أَصْلًا أَوْ بَدَلًا كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ يُعْطَى عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا لَا نِصْفَ صَاعٍ.
وَقَدْ رَوَى بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ: كَانَ رَجُلَانِ مِنْ الْأَعْرَابِ مُحْرِمِينَ، فَحَاشَ أَحَدُهُمَا صَيْدًا فَقَتَلَهُ الْآخَرُ، فَأَتَيَا عُمَرُ، وَعِنْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا تَرَى؟ قَالَ: شَاةٌ. قَالَ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ. اذْهَبَا فَأَهْدَيَا شَاةً. فَلَمَّا مَضَيَا قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا دَرَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَا يَقُولُ، حَتَّى سَأَلَ صَاحِبَهُ. فَسَمِعَهُ عُمَرُ، فَرَدَّهُمَا، فَقَالَ: هَلْ تَقْرَآنِ سُورَةَ الْمَائِدَةِ؟ فَقَالَا: لَا. فَقَرَأَ عَلَيْهِمَا: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا} [المائدة: ٩٥] ثُمَّ قَالَ: اسْتَعَنْت بِصَاحِبِي هَذَا.
وَعَنْ قَبِيصَةَ وَصَاحِبٍ لَهُ أَنَّهُمَا أَصَابَا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَقَالَ لِصَاحِبِهِ: إنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ. فَسَمِعَهُمَا عُمَرُ. فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ ضَرْبًا بِالدِّرَّةِ، وَقَالَ: تَقْتُلُ الصَّيْدَ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ، وَتَغْمِصُ الْفُتْيَا، إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: ٩٥]. وَهَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَأَنَا عُمَرُ.
[مَسْأَلَة الِاشْتِرَاكَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ الْمُحَرَّمِ]
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ الْمُحَرَّمِ يُوجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِكِينَ كَفَّارَةً وَاحِدَةً لِقَضَاءِ عُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى رَجُلَيْنِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاءٌ كَامِلٌ، وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: وَهِيَ تَنْبَنِي عَلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لُغَوِيٌّ قُرْآنِيٌّ، وَالْآخَرُ مَعْنَوِيٌّ. أَمَّا اللُّغَوِيُّ الْقُرْآنِيُّ: فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَاتِلِينَ لِلصَّيْدِ قَاتِلٌ نَفْسًا عَلَى الْكَمَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute