وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ، وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ نُحَقِّقُهُ لَكُمْ؛ وَهُوَ أَنَّ الذَّكَاةَ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِهَا إنْهَارَ الدَّمِ، وَلَكِنْ فِيهَا ضَرْبٌ مِنْ التَّعَبُّدِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ؛ لِأَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانَتْ تَتَقَرَّبُ بِذَلِكَ لِأَصْنَامِهَا وَأَنْصَابِهَا، وَتُهِلُّ لِغَيْرِ اللَّهِ فِيهَا، وَتَجْعَلُهَا قُرْبَتَهَا وَعِبَادَتَهَا، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِرَدِّهَا إلَيْهِ وَالتَّعَبُّدِ بِهَا لَهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لَهَا نِيَّةٌ وَمَحَلٌّ مَخْصُوصٌ. وَقَدْ ذَبَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَلْقِ، وَنَحَرَ فِي اللَّبَّةِ؛ وَقَالَ: «إنَّمَا الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ»، فَبَيَّنَ مَحَلَّهَا، وَقَالَ مُبَيِّنًا لِفَائِدَتِهَا: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلْ».
فَإِذَا أُهْمِلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَقَعْ بِنِيَّةٍ وَلَا شَرْطٍ وَلَا صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ زَالَ مِنْهَا حَظُّ التَّعَبُّدِ.
[مَسْأَلَة الذَّبْحُ بِالْقَصَبِ وَالْحَجَرِ]
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: فِي الْآلَةِ: وَقَدْ بَيَّنَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي قَوْلِهِ: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ».
وَتَجْوِيزُهُ الذَّبْحُ بِالْقَصَبِ، وَالْحَجَرِ إذَا وُجِدَ ذَلِكَ بِصِفَةِ الْحِدَةِ يَقْطَعُ وَيُرِيحُ الذَّبِيحَةَ، وَلَا يَكُونُ مِعْرَاضًا يَخْنُقُ وَلَا يَقْطَعُ، أَوْ يَجْرَحُ وَلَا يَفْصِلُ؛ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُؤْكَلْ.
[مَسْأَلَة الذَّبْح بِالسِّنِّ وَالظُّفْرِ]
وَأَمَّا السِّنُّ وَالظُّفُرُ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: يَجُوزُ بِالْعَظْمِ؛ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ بِالْعَظْمِ وَالسِّنِّ؛ قَالَهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
الثَّالِثُ: إنْ كَانَا مُرَكَّبَيْنِ لَمْ يُذْبَحْ بِهِمَا، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَصِلًا ذُبِحَ بِهِمَا؛ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ [وَأَبُو حَنِيفَةَ].
فَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَأَخَذَ بِمُطْلَقِ النَّهْيِ، وَجَعَلَهُ عَامًّا فِي حَالِ الِانْفِصَالِ وَالِاتِّصَالِ، وَأَمَّا ابْنُ حَبِيبٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَأَخَذَا بِالْمَعْنَى، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَا مُتَّصِلَيْنِ كَانَ الذَّبْحُ بِهِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute