الثَّانِي: حَدِيثُ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي جَيْشِ الْخَبَطِ «وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَهُمْ وَفَقَدُوا الزَّادَ، فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ ذَلِكَ الْجَيْشِ، فَجُمِعَتْ، فَكَانَ يَقُوتُنَا كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلًا».
وَهَذَا دُونَ الْأَوَّلِ فِي الظُّهُورِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو عُبَيْدَةَ كَانَ يُعْطِيهِمْ كَفَافًا مِنْ ذَلِكَ الْقُوتِ، وَلَا يَجْمَعُهُمْ عَلَيْهِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا أَحَادِيثَ ذَلِكَ وَمَسَائِلَهُ فِي شَرْحِ الصَّحِيحِ.
[مَسْأَلَة تَوْكِيلِ ذِي الْعُذْرِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
فِي هَذِهِ الْآيَةِ نُكْتَةٌ وَهِيَ أَنَّ الْوَكَالَةَ فِيهَا إنَّمَا كَانَتْ مَعَ التَّقِيَّةِ وَخَوْفِ أَنْ يَشْعُرَ بِهِمْ أَحَدٌ لَمَّا كَانُوا يَخَافُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْهُمْ، وَجَوَازُ تَوْكِيلِ ذِي الْعُذْرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَأَمَّا مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ تَوْكِيلِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ. وَكَانَ سَحْنُونٌ قَدْ تَلَقَّفَهُ عَنْ أَسَدِ بْنِ الْفُرَاتِ، فَحَكَمَ بِهِ أَيَّامَ قَضَائِهِ. وَلَعَلَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِأَهْلِ الظُّلْمِ وَالْجَبَرُوتِ؛ إنْصَافًا مِنْهُمْ، وَإِرْذَالًا بِهِمْ. وَهُوَ الْحَقُّ، فَإِنَّ الْوَكَالَةَ مَعُونَةٌ، وَلَا تَكُونُ لِأَهْلِ الْبَاطِلِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ النِّيَابَةِ فِي ذَلِكَ قَائِمٌ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهَا، فَجَازَتْ الْوَكَالَةُ عَلَيْهِ؛ أَصْلُهُ دَفْعُ الدَّيْنِ.
وَمُعَوِّلُهُمْ عَلَى أَنَّ الْحُقُوقَ تَخْتَلِفُ، وَالنَّاسُ فِي الْأَخْلَاقِ يَتَفَاوَتُونَ، فَرُبَّمَا أَضَرَّ الْوَكِيلُ بِالْآخَرِ.
قُلْنَا: وَرُبَّمَا كَانَ أَحَدُهُمَا ضَعِيفًا فَيَنْظُرُ لِنَفْسِهِ فِيمَنْ يُقَاوِمُ خَصْمَهُ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَنْضَبِطُ، فَرَجَعْنَا إلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ جَوَازُ النِّيَابَةِ فِي الْإِطْلَاقِ، وَلِلْوَكَالَةِ مَسَائِلُ يَأْتِي فِي أَبْوَابِهَا ذِكْرُ فُرُوعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ.
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} [الكهف: ١٩] قِيلَ: أَرَادَ أَكْثَرَ.