وَلَكِنْ مَنْ سَبَقَ أَكْرَمُ عِنْدَ اللَّهِ مَرْتَبَةً، وَأَوْفَى أَجْرًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلسَّابِقِ مِنْ الْفَضْلِ إلَّا اقْتِدَاءُ التَّالِي بِهِ، وَاهْتِدَاؤُهُ بِهَدْيِهِ، فَيَكُونُ لَهُ ثَوَابُ عَمَلِهِ فِي نَفْسِهِ، وَمِثْلُ ثَوَابِ مَنْ اتَّبَعَهُ مُقْتَدِيًا بِهِ؛ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فِي الْإِسْلَامِ كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا».
وَلِذَلِكَ قُلْنَا: إنَّ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ مِنْ تَأْخِيرِهَا عَنْهُ، وَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِيهِ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الصَّلَاةُ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا»؛ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
[مَسْأَلَة السَّبْقَ يَكُونُ بِالصِّفَاتِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ]
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ السَّبْقَ يَكُونُ بِالصِّفَاتِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَأَفْضَلُ هَذِهِ الْوُجُوهِ سَبْقُ الصِّفَاتِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ. فَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ، فَالْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ».
فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ أَنَّ مَنْ سَبَقَنَا مِنْ الْأُمَمِ بِالزَّمَانِ فَجِئْنَا بَعْدَهُمْ سَبَقْنَاهُمْ بِالْإِيمَانِ، وَالِامْتِثَالِ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَالِانْقِيَادِ إلَيْهِ، وَالِاسْتِسْلَامِ لِأَمْرِهِ، وَالرِّضَا بِتَكْلِيفِهِ، وَالِاحْتِمَالِ لِوَظَائِفِهِ، لَا نَعْتَرِضُ عَلَيْهِ، وَلَا نَخْتَارُ مَعَهُ، وَلَا نُبَدِّلُ بِالرَّأْيِ شَرِيعَتَهُ، كَمَا فَعَلَ أَهْلُ الْكِتَابِ.
وَذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ لِمَا قَضَاهُ، وَبِتَيْسِيرِهِ لِمَا يَرْضَاهُ، وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute