للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَقُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلَا تَدْعُو اللَّه لَنَا؟ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيَمْشُطُهُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمٍ مِنْ عَظْمٍ وَعَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاَللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إلَى حَضْرَمَوْتَ، لَا يَخَافُ إلَّا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ. وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ».

وَحَقِيقَةُ الْحَالِ أَنَّهُمْ كَانُوا مَقْهُورِينَ فَصَارُوا قَاهِرِينَ، وَكَانُوا مَطْلُوبِينَ فَعَادُوا طَالِبِينَ، وَهَذَا نِهَايَةُ الْأَمْنِ وَالْعِزِّ. الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:

قَالَ قَوْمٌ: إنَّ هَذَا وَعْدٌ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ فِي مِلْكِ الْأَرْضِ كُلِّهَا تَحْتَ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ، كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «زُوِيَتْ لِي الْأَرْضُ، فَأُرِيت مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِي مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا».

قُلْنَا لَهُمْ: هَذَا وَعْدٌ عَامٌّ فِي النُّبُوَّةِ وَالْخِلَافَةِ، وَإِقَامَةِ الدَّعْوَةِ، وَعُمُومِ الشَّرِيعَةِ، بِنَفَاذِ الْوَعْدِ فِي كُلِّ أَحَدٍ بِقَدْرِهِ وَعَلَى حَالٍ، حَتَّى فِي الْمُفْتِينَ وَالْقُضَاةِ وَالْأَئِمَّةِ؛ وَلَيْسَ لِلْخِلَافِ مَحَلٌّ تَنْفُذُ فِيهِ هَذِهِ الْمَوْعِدَةُ الْكَرِيمَةُ إلَّا مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ.

[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ]

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ} [النور: ٥٥]

فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا أَرْضُ مَكَّةَ، وُعِدَتْ الصَّحَابَةُ أَنْ يَسْتَخْلِفُوا فِيهَا الْكُفَّارَ.

الثَّانِي: أَنَّهَا بِلَادُ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ.

وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ أَرْضَ مَكَّةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ. قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَكِنْ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ» يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>