للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا اللَّفْظُ لَا يَسْتَعْمِلُ إلَّا بِطَرِيقِ الْقَصْدِ إلَى اتِّخَاذِهَا هُزُوًا؛ فَأَمَّا لُزُومُهَا عِنْدَ اتِّخَاذِهَا هُزُوًا فَلَيْسَتْ مِنْ قُوَّةِ اللَّفْظِ؛ وَإِنَّمَا هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.

وَمِنْ اتِّخَاذِ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ مِائَةً. فَقَالَ: يَكْفِيك مِنْهَا ثَلَاثٌ، وَالسَّبْعَةُ وَالتِّسْعُونَ اتَّخَذْت بِهَا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا.

فَمِنْ اتِّخَاذِهَا هُزُوًا عَلَى هَذَا مُخَالَفَةُ حُدُودِهَا فَيُعَاقَبُ بِإِلْزَامِهَا، وَعَلَى هَذَا يَتَرَكَّبُ طَلَاقُ الْهَازِلِ؛ وَلَسْت أَعْلَمُ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ فِي لُزُومِهِ؛ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي نِكَاحِ الْهَازِلِ؛ فَقَالَ عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ: لَا يَلْزَمُ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَرِّجَ عَلَى هَذَا طَلَاقَ الْهَازِلِ فَهُوَ ضَعِيفُ النَّظَرِ؛ لِأَنَّ إبْطَالَ نِكَاحِ الْهَازِلِ يُوجِبُ إلْزَامَ طَلَاقِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَغْلِيبَ التَّحْرِيمِ فِي الْبُضْعِ عَلَى التَّحْلِيلِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ فِيهِ إذَا عَارَضَتْهُ.

[الْآيَة الْمُوفِيَة سَبْعِينَ قَوْله تَعَالَى وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ]

َّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٢] فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْله تَعَالَى: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: ٢٣٢] وَالْبُلُوغُ هَاهُنَا حَقِيقَةٌ لَا مَجَازَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْنَاهُ قَارَبْنَ الْبُلُوغَ كَمَا فِي الْآيَةِ قَبْلِهَا لَمَا خَرَجَتْ بِهِ الزَّوْجَةُ عَنْ حُكْمِ الزَّوْجِ فِي الرَّجْعَةِ، فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٢] تَبَيَّنَ أَنَّ الْبُلُوغَ قَدْ وَقَعَ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الرَّجْعَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْله تَعَالَى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٢] الْعَضْلُ يَتَصَرَّفُ عَلَى وُجُوهٍ مَرْجِعُهَا إلَى الْمَنْعِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هَاهُنَا؛ فَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى أَوْلِيَاءَ الْمَرْأَةِ مِنْ مَنْعِهَا عَنْ نِكَاحِ مَنْ تَرْضَاهُ.

وَهَذَا دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا حَقَّ لَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>