[مَسْأَلَة لَا يَنْعَقِد الْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ]
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ:
لَا يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ: وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إذَا حَلَفَ بِالنَّبِيِّ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ بِمَا لَا يَتِمُّ الْإِيمَانُ إلَّا بِهِ، فَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، كَمَا لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ، وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلِيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» وَلِأَنَّ هَذَا يُنْتَقَضُ بِمَنْ قَالَ: وَآدَمَ وَإِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَقَدْ حَلَفَ بِمَا لَا يَتِمُّ الْإِيمَانُ إلَّا بِهِ.
[مَسْأَلَة قِرَاءَة قَوْله تَعَالَى عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ]
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: ٨٩] فِيهِ ثَلَاثُ قِرَاءَاتِ: عَقَّدْتُمْ بِتَشْدِيدِ الْقَافِ، وَعَقَدْتُمْ بِتَخْفِيفِ الْقَافِ، وَعَاقَدْتُمْ بِالْأَلِفِ.
فَأَمَّا التَّخْفِيفُ فَهُوَ أَضْعَفُهَا رِوَايَةً وَأَقْوَاهَا مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ فَعَلْتُمْ مِنْ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَإِذَا قُرِئَ عَاقَدْتُمْ فَهُوَ فَاعَلْتُمْ، وَذَلِكَ يَكُونُ مِنْ اثْنَيْنِ، وَقَدْ يَكُونُ الثَّانِي مِنْ حَلَفَ لِأَجْلِهِ فِي كَلَامٍ وَقَعَ مَعَهُ، وَقَدْ يَعُودُ ذَلِكَ إلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ رَبَطَ بِهِ الْيَمِينَ، وَقَدْ يَكُونُ فَاعَلَ بِمَعْنَى فَعَلَ، كَقَوْلِك: طَارَقَ النَّعْلَ، وَعَاقَبَ اللِّصَّ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِي اللِّصِّ خَاصَّةً.
وَإِذَا قَرَأَ عَقَّدْتُمْ بِتَشْدِيدِ الْقَافِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: قَالَ مُجَاهِدٌ: تَعَمَّدْتُمْ.
الثَّانِي: قَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ مَا تَعَمَّدْت بِهِ الْمَأْثَمَ فَعَلَيْك فِيهِ الْكَفَّارَةُ.
الثَّالِثُ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: التَّشْدِيدُ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إلَّا إذَا كَرَّرَ الْيَمِينَ.
الرَّابِعُ: قَالَ مُجَاهِدٌ: التَّشْدِيدُ لِلتَّأْكِيدِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَمَّا قَوْلُ مُجَاهِدٍ: مَا تَعَمَّدْتُمْ فَهُوَ صَحِيحٌ يَعْنِي مَا قَصَدْتُمْ إلَيْهِ احْتِرَازًا مِنْ اللَّغْوِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْحَسَنِ مَا تَعَمَّدْتُمْ فِيهِ الْمَأْثَمَ فَيَعْنِي بِهِ مُخَالَفَةَ الْيَمِينِ، فَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْكَفَّارَةُ