فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ جَاءَهُ الْمَلَكُ فِي الْيَقِظَةِ بِمِثْلِ مَا أَرَادَهُ فِي الْمَنَامِ. وَكَانَتْ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ أَرَاهُ اللَّهُ فِي الْمَنَامِ مَا أَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ تَوْطِيدًا وَتَثْبِيتًا لِنَفْسِهِ، حَتَّى لَا يَأْتِيَهُ الْحَالُ فَجْأَةً، فَتُقَاسِي نَفْسُهُ الْكَرِيمَةَ مِنْهَا شِدَّةً، لِعَجْزِ الْقُوَى الْآدَمِيَّةِ عَنْ مُبَاشَرَةِ الْهَيْئَةِ الْمَلَكِيَّةِ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: ٦٠]؛ وَلَوْ كَانَتْ رُؤْيَا مَنَامٍ مَا اُفْتُتِنَ بِهَا أَحَدٌ، وَلَا أَنْكَرَهَا؛ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَبْعَدُ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يَرَى نَفْسَهُ يَخْتَرِقُ السَّمَوَاتِ، وَيَجْلِسُ عَلَى الْكُرْسِيِّ، وَيُكَلِّمُهُ الرَّبُّ.
[مَسْأَلَة فَرْضُ الصَّلَاةِ]
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ:
فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ كَانَ فَرْضُ الصَّلَاةِ؛ وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْإِسْرَاءِ صَلَاةَ الْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ»، وَيَتَنَفَّلُ فِي الْجُمْلَةِ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ حَتَّى رَفَعَهُ اللَّهُ مَكَانًا عَلِيًّا، وَفَرَضَ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ، وَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ فَعَلَّمَهُ أَعْدَادَهَا وَصِفَاتِهَا، وَهِيَ:
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ:
قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ، وَصَلَّى بِي الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ، وَصَلَّى بِي الْعَصْرَ عِنْدَمَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، وَصَلَّى بِي الْمَغْرِبَ حِينَ غَرُبَتْ الشَّمْسُ، وَصَلَّى بِي الْعِشَاءَ عِنْدَمَا غَابَ الشَّفَقُ، وَصَلَّى بِي الصُّبْحَ حِينَ بَرَقَ الْفَجْرُ وَحَرُمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ. ثُمَّ صَلَّى بِي الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ لِوَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ، وَصَلَّى بِي الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، وَصَلَّى بِي الْمَغْرِبَ حِينَ غَرُبَتْ الشَّمْسُ لِوَقْتِهَا بِالْأَمْسِ، وَصَلَّى بِي الْعِشَاءَ حِينَ ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَصَلَّى بِي الصُّبْحَ وَقَائِلٌ يَقُولُ: أَطْلَعَتْ الشَّمْسُ؟ لَمْ تَطْلُعْ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا وَقْتُك، وَوَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَك، وَالْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ».
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute