عَنْ شُغُلِ غَيْرِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّمَا يُعْتَقُ بِكُلِّ عُضْوِ مِنْهُ عُضْوٌ مِنْهَا مِنْ النَّارِ حَتَّى الْفَرْجُ بِالْفَرْجِ، فَمَتَى نَقَصَ عُضْوٌ مِنْهَا لَمْ تَكْمُلُ شُرُوطُهَا. وَهَذَا بَدِيعٌ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: سَوَاءٌ كَانَتْ الرَّقَبَةُ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً إذَا كَانَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ لِمُسْلِمٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ خِلَافًا لِابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ؛ إذْ قَالُوا: لَا يُجْزِئُ إلَّا مَنْ صَامَ وَصَلَّى وَعَقَلَ الْإِسْلَامَ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: مَنْ وُلِدَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْعِتْقِ، كَمَا أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجِنَايَةِ وَالْإِرْثِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَجَمِيعِ أَحْكَامِهِ.
[مَسْأَلَة الدِّيَةَ فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ]
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: ٩٢]: أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الدِّيَةَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ جَبْرًا. كَمَا أَوْجَبَ الْقِصَاصَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ زَجْرًا، وَجَعَلَ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ رِفْقًا؛ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَاتِلَ الْخَطَأِ لَمْ يَكْتَسِبْ إثْمًا وَلَا مَحْرَمًا، وَالْكَفَّارَةُ وَجَبَتْ زَجْرًا عَنْ التَّقْصِيرِ وَالْحَذَرِ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: الدِّيَةُ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ فِي تَقْدِيرِ الشَّرِيعَةِ، وَبِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ؛ فَإِنْ عُدِمَتْ الْإِبِلُ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ:
فَقَالَ مَالِكٌ: مِنْ الدَّرَاهِمِ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَمِنْ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ، وَلَيْسَتْ فِي غَيْرِهِمَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْوَاجِبُ مِنْهُ الْإِبِلُ كَيْفَ تَصَرَّفَتْ، فَإِنَّمَا الْأَصْلُ؛ فَإِذَا عُدِمَتْ وَقْتَ الْوُجُوبِ فَحِينَئِذٍ يُنْظَرُ فِي بَدَلِهَا وَهُوَ الْقِيمَةُ بِحِسَابِ الْوَقْتِ، كَمَا فِي كُلِّ وَاجِبٍ فِي الذِّمَّةِ يَتَعَذَّرُ أَدَاؤُهُ.
وَدَلِيلُنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَوَّمَهَا بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ذَهَبًا وَوَرِقًا، وَكَتَبَ بِهِ إلَى الْآفَاقِ؛ وَلَا مُخَالِفَ؛ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ؛ فَإِنَّ بَلَدًا لَمْ يَكُنْ قَطُّ بِهِ إبِلٌ لَا سَبِيلَ إلَى تَقْوِيمِهَا فِيهِ، فَعَلِمَتْ الصَّحَابَةُ ذَلِكَ فَقَدَّرَتْ نَصِيبَهَا، وَاعْتَبَرَتْهَا فِي كُلِّ بَلَدٍ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ إذْ لَا يَخْلُو بَلَدٌ مِنْهُمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute