للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ لِأَحَدٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَقَعُ النَّظَرُ فِيمَا يُوَافِقُ خَطَّهُ مِمَّا لَمْ يَثْبُتْ ضَبْطُهُ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ؛ فَإِنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ بِنَقْلِ الْوَاحِدِ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا؛ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالتَّوَاتُرِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْعِلْمُ، وَيَنْقَطِعُ مَعَهُ الْعُذْرُ وَتَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى الْخَلْقِ.

[الْآيَةُ الثَّانِيَة قَوْله تَعَالَى فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى]

} [الليل: ٥] {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: ٦] {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: ٧] {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} [الليل: ٨] {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} [الليل: ٩] {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: ١٠]

فِيهَا ثَمَانِ مَسَائِلَ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: رُوِيَ فِي ذَلِكَ رِوَايَاتٌ: الرِّوَايَةُ الْأُولَى عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ شَمْسُهُ إلَّا وَبِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ، يَسْمَعُهُمَا خَلْقُ اللَّهِ كُلُّهُمْ إلَّا الثَّقَلَيْنِ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَأَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا»؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [الليل: ٥] {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: ٦] {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: ٧]

الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ يُعْتِقُ عَلَى الْإِسْلَامِ بِمَكَّةَ، وَكَانَ يُعْتِقُ نِسَاءً وَعَجَائِزَ؛ فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: أَيْ بُنَيَّ، أَرَاك تُعْتِقُ أُنَاسًا ضُعَفَاءَ، فَلَوْ أَنَّك أَعْتَقْت رِجَالًا جَلْدًا يَقُومُونَ مَعَك، وَيَدْفَعُونَ عَنْك، وَيَمْنَعُونَك، فَقَالَ: أَيْ أَبَتِ؛ إنَّمَا أُرِيدُ مَا عِنْدَ اللَّهِ. قَالَ: فَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ بَيْتِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [الليل: ٥].

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ: {مَنْ أَعْطَى} [الليل: ٥]: حَقِيقَةُ الْعَطَاءِ هِيَ الْمُنَاوَلَةُ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ وَالِاسْتِعْمَالِ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ نَفْعٍ أَوْ ضَرٍّ يَصِلُ مِنْ الْغَيْرِ إلَى الْغَيْرِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْأَمَدِ الْأَقْصَى وَغَيْرِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>