وَلَا حَرَجَ. فَمَا سُئِلَ يَوْمَهُ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إلَّا قَالَ: افْعَلْ وَلَا حَرَجَ».
فَأَعْجَبُ لِمَنْ يَقُولُ: إنَّ الدَّمَ عَلَى مَنْ قَدَّمَ الْحَلْقَ عَلَى النَّحْرِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَالَ: وَلَا حَرَجَ، وَلَقَدْ نَزَلَتْ بِي هَذِهِ النَّازِلَةُ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ، كَانَ مَعِي مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ، فَلَمَّا رَمَيْت جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَانْصَرَفْت إلَى النَّحْرِ جَاءَ الْمُزَيِّنُ وَحَضَرَ الْهَدْيَ، فَقَالَ أَصْحَابِي: نَنْحَرُ وَنَحْلِقُ، فَحَلَقْت، وَلَمْ أَشْعُرْ قَبْلَ النَّحْرِ، وَمَا تَذَكَّرْت إلَّا وَجُلُّ شَعْرِي قَدْ ذَهَبَ بِالْمُوسَى، فَقُلْت: دَمٌ عَلَى دَمٍ، لَا يَلْزَمُ، وَرَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ الِاحْتِيَاطَ لِارْتِفَاعِ الْخِلَافِ. وَالْحَقُّ هُوَ الْأَوَّلُ، فَهُوَ الْمَعْقُولُ.
[مَسْأَلَة تَعَارَضَ دَلِيلَانِ أَحَدُهُمَا بِالْحَظْرِ وَالْآخَرُ بِالْإِبَاحَةِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
إذَا تَعَارَضَ دَلِيلَانِ أَحَدُهُمَا بِالْحَظْرِ، وَالْآخَرُ بِالْإِبَاحَةِ، فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ مَالَ إلَى الِاسْتِظْهَارِ، وَقَالَ: يُقَدَّمُ دَلِيلُ الْحَظْرِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُقَدَّمُ دَلِيلُ الْإِبَاحَةِ، وَيَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ مَقَاصِدُ مَالِكٍ، إلَّا فِي بَابِ الرِّبَا، فَيُقَدَّمُ دَلِيلُ الْحَظْرِ، وَذَلِكَ مِنْ فِقْهِهِ الْعَظِيمِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَامَ دَلِيلٌ عَلَى زِيَادَةِ رُكْنٍ فِي الْعِبَادَةِ، أَوْ شَرْطٍ، وَقَامَ الدَّلِيلُ عَلَى إسْقَاطِهِ، فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا فِيهِ؛ فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ أَخَذَ بِالِاحْتِيَاطِ، وَقَضَى بِزِيَادَةِ الرُّكْنِ وَالشَّرْطِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَ بِالْخِفَّةِ، وَقَالَ بِدَلِيلِ الْإِسْقَاطِ، وَلَمْ يُعَوِّلْ مَالِكٌ هَاهُنَا عَلَى أَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ: كَانَ بِزِيَادَةٍ أَوْ بِإِسْقَاطٍ، وَرَأْيُهُ هُوَ الَّذِي نَرَاهُ، وَقَدْ مَهَّدْنَاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، فَهُنَالِكَ يُنْظَرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
[مَسْأَلَة إذَا كَانَ الْحَرَجُ فِي نَازِلَةٍ عَامًّا فِي النَّاسِ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:
إذَا كَانَ الْحَرَجُ فِي نَازِلَةٍ عَامًّا فِي النَّاسِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ، وَإِذَا كَانَ خَاصًّا لَمْ يُعْتَبَرْ عِنْدَنَا، وَفِي بَعْضِ أُصُولِ الشَّافِعِيِّ اعْتِبَارُهُ، وَذَلِكَ يُعْرَضُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ؛ فَمِنْهُ خُذُوهُ بِعَوْنِ اللَّهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute