وَالْمَسْأَلَةُ غَامِضَةُ الْمَأْخَذِ بَعِيدَةُ الْغَوْرِ، وَلِعُلَمَائِنَا فِيهَا ثَلَاثَةُ طُرُقٍ بَيَّنَّاهَا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ. أَقْوَاهَا طَرِيقُ مَنْشَأِ غَوْرٍ.
وَقَالَ الْجَوْنِيُّ: الضَّمَانُ إنَّمَا يَجِبُ فِي الشَّرِيعَةِ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: إمَّا بِإِتْلَافٍ مُبَاشِرٍ، كَالْقَتْلِ. أَوْ بِتَلَفٍ تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ، كَمَا لَوْ مَاتَ الْحَيَوَانُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ. أَوْ بِسَبَبٍ يَتَعَلَّقُ بِالْفَاعِلِ؛ كَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي جِهَةِ التَّعَدِّي؛ وَلَمْ يُوجَدْ هَاهُنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُ الْجَزَاءِ بِهِ.
وَعَوَّلَ مَنْ أَوْجَبَ الْجَزَاءَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الْمُتَقَدِّمِ: «هَلْ أَشَرْتُمْ؟ هَلْ أَعَنْتُمْ؟» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْجَزَاءِ لَوْ أَشَارَ أَوْ أَعَانَ عَلَيْهِ.
قُلْنَا: إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ؛ فَأَمَّا عَلَى وُجُوبِ الْجَزَاءِ فَلَا.
[مَسْأَلَة الْحَيَوَانِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ هَلْ يَحِلُّ صَيْدُهُ لِلْمُحْرِمِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي الْحَيَوَانِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، هَلْ يَحِلُّ صَيْدُهُ لِلْمُحْرِمِ لِأَنَّهُ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ أَمْ لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ مِنْ حَيَوَانِ الْبَرِّ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ.
وَالصَّحِيحُ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَارَضَ فِيهِ دَلِيلَانِ: دَلِيلُ تَحْلِيلٍ، وَدَلِيلُ تَحْرِيمٍ، فَغَلَّبْنَا دَلِيلَ التَّحْرِيمِ احْتِيَاطًا؛ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَة حُكْم مَا خَرَجَ مِنْ اللُّؤْلُؤِ وَالْعَنْبَرِ مِنْ الْبَحْرِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَا أَخْرَجَ مِنْ اللُّؤْلُؤِ وَالْعَنْبَرِ مِنْ الْبَحْرِ يُخَمَّسُ، وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ؛ لِأَنَّ الْبَحْرَ شَبِيهُ الْبَرِّ وَقَسِيمُهُ وَنَظِيرُهُ؛ إذْ الدُّنْيَا بَرٌّ وَبَحْرٌ، فَنَقُولُ: فَائِدَةُ أُخْرِجَتْ مِنْ الْبَاطِنِ فَوَجَبَ فِيهِ الْخُمُسُ، أَصْلُهُ الرِّكَازُ، أَوْ لِأَنَّهُ أَحَدُ قِسْمَيْ الْمَخْلُوقَاتِ الْأَرْضِيَّةِ، فَجَازَ أَنْ يَجِبَ حَقُّ اللَّهِ فِيمَا يُوجَدُ فِي بَاطِنِهِ، أَصْلُهُ الرِّكَازُ. وَالتَّعْلِيلُ لِلْبَحْرِ.
وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: " لَا زَكَاةَ فِي الْعَنْبَرِ، إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يَقْذِفُهُ الْبَحْرُ " وَلِأَنَّهُ مِنْ فَوَائِدِ الْبَحْرِ، فَلَا يَجِبُ فِيهِ حَقٌّ أَصْلُهُ السَّمَكُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute