قَدْ بَيَّنَّا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَالْحَدِيثِ حَقِيقَةَ الرُّؤْيَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ نُبْذَةً مِنْهَا، وَأَنَّ الْبَارِيَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ، وَلَهَا أَسْمَاءٌ وَكُنَى، فَمِنْهَا رُؤْيَا تَخْرُجُ بِصِفَتِهَا، وَمِنْهَا رُؤْيَا تَخْرُجُ بِتَأْوِيلِهَا وَهُوَ كُنْيَتُهَا.
وَفِي صَحِيحِ الْحَدِيثِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَائِشَةَ: أُرِيتُك فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ. فَقَالَ الْمَلَكُ: هَذِهِ زَوْجُك، فَاكْشِفْ عَنْهَا، فَإِذَا هِيَ أَنْتِ. فَقُلْت: إنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ». وَلَمْ يَشُكَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ لِقَوْلِهِ: فَقَالَ لِي الْمَلَكُ، وَلَا يَقُولُ
الْمَلَكُ إلَّا حَقًّا، وَلَكِنَّ الْأَمْرَ احْتَمَلَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَا بِاسْمِهَا أَوْ تَكُونَ بِكُنْيَتِهَا، فَإِنْ كَانَتْ بِاسْمِهَا فَتَكُونُ هِيَ الزَّوْجَةُ، وَإِنْ كَانَتْ الرُّؤْيَا مُكَنَّاةً فَتَكُونُ فِي أُخْتِهَا أَوْ قَرَابَتِهَا أَوْ جَارَتِهَا، أَوْ مَنْ يُسَمَّى بِاسْمِهَا، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ التَّشْبِيهَاتِ فِيهَا؛ وَهَذَا أَصْلٌ تَقَرَّرَ فِي الْبَابِ فَلْيُحْفَظْ وَلْيُحَصَّلْ، فَإِنَّهُ أَصْلُهُ. .
[مَسْأَلَة النَّسْخِ قَبْلَ الْفِعْلِ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَدْ جَرَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ غَرِيبَةٌ قَدْ بَيَّنَّاهَا حَيْثُ وَقَعَتْ مِنْ كَلَامِنَا، ذَكَرَهَا جَمِيعُ عُلَمَائِنَا مَعَ أَحْزَابِ الطَّوَائِفِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ النَّسْخِ قَبْلَ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ الْأَمْرَ بِالذَّبْحِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الذَّبْحُ، وَلَوْ لَمْ يُتَصَوَّرْ رَفْعُهُ.
وَقَالَ الْمُخَالِفُونَ: إنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ، وَلَكِنَّهُ نُفِّذَ الذَّبْحُ، وَكَانَ كُلَّمَا قَطَعَ جُزْءًا الْتَأَمَ، فَاجْتَمَعَ الذَّبْحُ وَالْإِعَادَةُ لِمَوْضِعِهَا حَسْبَمَا كَانَتْ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: وَجَدَ حَلْقَهُ نُحَاسًا أَوْ مُغَشًّى بِنُحَاسٍ، فَكَانَ كُلَّمَا أَرَادَ قَطْعًا وَجَدَ مَنْعًا؛ وَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ فِي الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ؛ وَلَكِنْ يَفْتَقِرُ إلَى نَقْلٍ صَحِيحٍ، فَإِنَّهُ لَا يُدْرَكُ بِالنَّظَرِ؛ وَإِنَّمَا طَرِيقُهُ الْخَبَرُ، وَكَانَ الذَّبْحُ وَالْتِئَامُ الْأَجْزَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْقَعَ فِي مَطْلُوبِهِمْ مِنْ وَضْعِ النُّحَاسِ مَوْضِعَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ، وَكُلُّهُ أَمْرٌ بَعِيدٌ مِنْ الْعِلْمِ؛ وَبَابُ التَّحْقِيقِ فِيهَا وَمَسْلَكُهُ مَا بَيَّنَّاهُ وَاخْتَرْنَاهُ، فَأَوْضَحْنَا لِبَابِهِ الَّذِي لَمْ نُسْبَقْ إلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute