للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّعْوَى كَيْفَمَا كَانَتْ، وَتَكُونُ الشَّهَادَةُ بِصِفَةِ الْحَالِ كَمَا جَرَتْ، فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ: إنِّي لَا أَشْتَرِي بِشَهَادَتِي شَيْئًا، وَلَوْ كَانَ قَرَابَتِي. أَوْ يَقُولُهَا الْحَالِفُ فِي يَمِينِهِ، فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ عِنْدِي وَلَا عِنْدَ أَحَدٍ، وَلَكِنْ يَحْلِفُ أَوْ يَشْهَدُ كَمَا وَصَفْنَا وَيَعْتَقِدُ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى، فَهَذَا الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ يَكُونُ فِي اعْتِقَادِهِ لَا فِي لَفْظِهِ فِي شَهَادَةٍ أَوْ يَمِينٍ.

[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إثْمًا]

الْمَسْأَلَةُ الْمُوفِيَةُ ثَلَاثِينَ: قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} [المائدة: ١٠٧]

يُرِيدُ ظَهَرَ، وَأَظْهَرُ شَيْءٍ فِي الطَّرِيقِ مَا عُثِرَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَيُسْتَعْمَلُ فِيمَا كَانَ غَائِبًا عَنْك وَكُنْت جَاهِلًا بِهِ، ثُمَّ حَضَرَ لَدَيْك وَاطَّلَعْت عَلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ} [الكهف: ٢١] لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَطْلُبُونَهُمْ، وَقَدْ خَفِيَ عَلَيْهِمْ مَوْضِعُهُمْ.

التَّقْدِيرُ: إذَا نَفَذَ الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ فِي الظَّاهِرِ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ ظَهَرَ وَتَبَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ كَذِبُهُمْ.

الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ: قَوْله تَعَالَى: إنَّهُمَا

قِيلَ: هُمَا الشَّاهِدَانِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ: هُمَا الْوَصِيَّانِ؛ قَالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَيَتَرَكَّبُ عَلَيْهِ، وَيَخْتَلِفُ التَّقْدِيرُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ: قَوْله تَعَالَى: {إِثْمًا} [المائدة: ١٠٧]

يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ عُقُوبَةً، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ غُرْمًا، وَظَاهِرُ الْإِثْمِ الْعُقُوبَةُ، لَكِنْ صَرَفَ عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ قَوْلُهُ: اسْتَحَقَّا، وَالْعُقُوبَةُ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْمَعَاصِي، وَلَا يُسْتَحَقُّ عَلَى اللَّهِ شَيْءٌ حَسْبَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ اسْتَوْجَبَا غُرْمًا بِطَرِيقَةٍ.

وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الِاحْتِمَالِ قَوْله تَعَالَى: {مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ} [المائدة: ١٠٧] فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ عَلَى هَؤُلَاءِ مَا كَانَا اسْتَحَقَّاهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ الْقَوْمَ ادَّعَوْا أَنَّهُ كَانَ لِلْمَيِّتِ دَعْوَى مِنْ انْتِقَالِ مِلْكٍ عَنْهُ إلَيْهِمَا بِبَعْضِ مَا تَزُولُ بِهِ الْأَمْلَاكُ مِمَّا يَكُونُ فِيهِ الْيَمِينُ عَلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ دُونَ الْمُدَّعِي، وَتَكُونُ الْبَيِّنَةُ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعِي. الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ: قَوْله تَعَالَى: {فَآخَرَانِ} [المائدة: ١٠٧]

إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الِاتِّفَاقِ أَنَّ الْوَارِثَيْنِ كَانَا اثْنَيْنِ، وَلَوْ كَانَ وَاحِدًا لَأَجْزَأَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>