بَيَانُهُ؛ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَرِّحَ بِهَذَا فِي عَيْنٍ مِنْ الْأَعْيَانِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَارِي يُخْبِرُ بِذَلِكَ عَنْهُ، وَمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ فِي أَنَّهُ حَرَامٌ يَقُولُ: إنِّي أَكْرَهُ كَذَا، وَكَذَلِكَ كَانَ مَالِكٌ يَفْعَلُ؛ اقْتِدَاءً بِمِنْ تَقَدَّمَ مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَنَّهَا حَرَامٌ وَتَكُونُ ثَلَاثًا. قُلْنَا: سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي سُورَةِ التَّحْرِيمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَنَقُولُ هَاهُنَا: إنَّ الرَّجُلَ هُوَ الَّذِي أَلْزَمَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ، فَأَلْزَمَهُ مَالِكٌ مَا الْتَزَمَ.
جَوَابٌ آخَرُ: وَهُوَ أَقْوَى؛ وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا لَمَّا سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: إنَّهَا حَرَامٌ أَفْتَى بِذَلِكَ اقْتِدَاءً بِهِ، وَقَدْ يَتَقَوَّى الدَّلِيلُ عَلَى التَّحْرِيمِ عِنْد الْمُجْتَهِدِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ عِنْدَنَا، كَمَا يَقُولُ: إنَّ الرِّبَا حَرَامٌ فِي غَيْرِ الْأَعْيَانِ السِّتَّةِ الَّتِي وَقَعَ ذِكْرُهَا فِي الرِّبَا، وَهِيَ الذَّهَبُ، وَالْفِضَّةُ، وَالْبُرُّ، وَالشَّعِيرُ، وَالتَّمْرُ، وَالْمِلْحُ، وَكَثِيرًا مَا يُطْلِقُ مَالِكٌ، فَذَلِكَ حَرَامٌ لَا يَصْلُحُ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ، وَفِيمَا خَالَفَ الْمَصَالِحَ، وَخَرَجَ عَنْ طَرِيقِ الْمَقَاصِدِ، لِقُوَّةِ الْأَدِلَّةِ فِي ذَلِكَ.
[الْآيَة التَّاسِعَة عَشْرَة قَوْله تَعَالَى إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا]
وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: ١٢٠]. فِيهَا مَسْأَلَتَانِ.
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ الْقَاسِمِ، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ. فَقِيلَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ إنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ بِهَذَا إبْرَاهِيمَ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إنَّ الْأُمَّةَ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ، وَإِنَّ الْقَانِتَ هُوَ الْمُطِيعُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: حَدَّثَنِي فَرْوَةُ بْنُ نَوْفَلٍ الْأَشْجَعِيُّ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إنَّ مُعَاذًا كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا. فَقُلْت فِي نَفْسِي: غَلِطَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إنَّمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى: إنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute