الثَّانِي: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَاهِدْ الْكُفَّارَ بِالسَّيْفِ، وَالْمُنَافِقِينَ بِاللِّسَانِ.
الثَّالِثُ: قَالَ الْحَسَنُ: جَاهِدْ الْكُفَّارَ بِالسَّيْفِ، وَالْمُنَافِقِينَ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ.
وَاخْتَارَهُ قَتَادَةُ، وَكَانُوا أَكْثَرَ مَنْ يُصِيبُ الْحُدُودَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ مَا تَقَدَّمَ، فَأَشْكَلَ ذَلِكَ وَاسْتَبْهَمَ، وَلَا أَدْرِي صِحَّةَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي السَّنَدِ.
أَمَّا الْمَعْنَى فَإِنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُجَاهِدُ الْكُفَّارَ بِالسَّيْفِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِمْ، حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
وَأَمَّا الْمُنَافِقُونَ فَكَانَ مَعَ عِلْمِهِ بِهِمْ يُعْرِضُ عَنْهُمْ، وَيَكْتَفِي بِظَاهِرِ إسْلَامِهِمْ، وَيَسْمَعُ أَخْبَارَهُمْ فَيُلْغِيهَا بِالْبَقَاءِ عَلَيْهِمْ، وَانْتِظَارِ الْفَيْئَةِ إلَى الْحَقِّ بِهِمْ، وَإِبْقَاءً عَلَى قَوْمِهِمْ، لِئَلَّا تَثُورَ نُفُوسُهُمْ عِنْدَ قَتْلِهِمْ، وَحَذَرًا مِنْ سُوءِ الشُّنْعَةِ فِي أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ؛ فَكَانَ لِمَجْمُوعِ هَذِهِ الْأُمُورِ يَقْبَلُ ظَاهِرَ إيمَانِهِمْ، وَبَادِئَ صَلَاتِهِمْ، وَغَزْوَهُمْ، وَيَكِلُ سَرَائِرَهُمْ إلَى رَبِّهِمْ، وَتَارَةً كَانَ يَبْسُطُ لَهُمْ وَجْهَهُ الْكَرِيمَ، وَأُخْرَى كَانَ يُظْهِرُ التَّغْيِيرَ عَلَيْهِمْ.
وَأَمَّا إقَامَةُ الْحُجَّةِ بِاللِّسَانِ فَكَانَتْ دَائِمَةً، وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ جِهَادَ الْمُنَافِقِينَ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ فِيهِمْ لِأَنَّ أَكْثَرَ إصَابَةِ الْحُدُودِ كَانَتْ عِنْدَهُمْ، فَإِنَّهُ دَعْوَى لَا بُرْهَانَ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ الْعَاصِي بِمُنَافِقٍ، إنَّمَا الْمُنَافِقُ بِمَا يَكُونُ فِي قَلْبِهِ مِنْ النِّفَاقِ كَامِنًا، لَا بِمَا تَتَلَبَّسُ بِهِ الْجَوَارِحُ ظَاهِرًا، وَأَخْبَارُ الْمَحْدُودِينَ يَشْهَدُ مَسَاقُهَا أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُنَافِقِينَ.
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: ٧٣]: الْغِلْظَةُ نَقِيضُ الرَّأْفَةِ، وَهِيَ شِدَّةُ الْقَلْبِ وَقُوَّتُهُ عَلَى إحْلَالِ الْأَمْرِ بِصَاحِبِهِ. وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي اللِّسَانِ.
؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ».
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute