[مَسْأَلَة تلفت الْعَيْنِ بَعْد السَّرِقَة]
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إذَا سَرَقَ السَّارِقُ وَجَبَ الْقَطْعُ عَلَيْهِ وَرَدُّ الْعَيْنِ؛ فَإِنْ تَلِفَتْ فَعَلَيْهِ مَعَ الْقَطْعِ الْقِيمَةُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْغُرْمُ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ فِي الْحَالَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجْتَمِعُ الْقَطْعُ مَعَ الْغُرْمِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ} [المائدة: ٣٨] وَلَمْ يَذْكُرْ غُرْمًا، وَالزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ، وَهِيَ نَسْخٌ، وَنَسْخُ الْقُرْآنِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِقُرْآنٍ مِثْلِهِ، أَوْ بِخَبَرٍ مُتَوَاتِرٍ،
وَأَمَّا بِنَظَرٍ فَلَا يَجُوزُ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ؛ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْأُصُولِ فَلْيُنْظَرْ هُنَاكَ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: ٤١] مُطْلَقًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُعْطَى لِذَوِي الْقُرْبَى إلَّا أَنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ؛ فَزَادَ عَلَى النَّصِّ بِغَيْرِ نَصٍّ مِثْلِهِ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ خَبَرٍ مُتَوَاتِرٍ. وَأَمَّا عُلَمَاءُ الشَّافِعِيَّةِ فَعَوَّلُوا عَلَى أَنَّ الْقَطْعَ وَالْغُرْمَ حَقَّانِ لِمُسْتَحِقَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَلَا يُسْقِطُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، كَالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ. وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلَيْسَ لَهُمْ مُتَعَلَّقٌ قَوِيٌّ، وَنَازَعَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أُقِيمَ عَلَى السَّارِقِ الْحَدُّ فَلَا ضَمَانَ». وَهَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِأَنَّ الْإِتْبَاعَ بِالْغُرْمِ عُقُوبَةٌ، وَالْقَطْعَ عُقُوبَةٌ، وَلَا تَجْتَمِعُ عُقُوبَتَانِ، وَعَلَيْهِ عَوَّلَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَهُوَ كَلَامٌ مُخْتَلُّ اللَّفْظِ. وَصَوَابُهُ مَا بَيَّنَّاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ مِنْ أَنَّ الْقَطْعَ وَاجِبٌ فِي الْبَدَنِ، وَالْغُرْمَ عَلَى الْمُوسِرِ وَاجِبٌ فِي الْمَالِ، فَصَارَا حَقَّيْنِ فِي مَحَلَّيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute