فِيهَا سِتُّ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى الْمُنَافِقِينَ وَالْمُقَصِّرِينَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فِي آيَاتٍ جُمْلَةٍ، ثُمَّ طَبَّقَهُمْ طَبَقَاتٍ عُمُومًا وَخُصُوصًا، فَقَالَ: {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا} [التوبة: ٩٧].
وَقَالَ: {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا} [التوبة: ٩٨].
{وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ} [التوبة: ٩٩]؛ وَهَذَا مَدْحٌ يَتَمَيَّزُ بِهِ الْفَاضِلُ مِنْ النَّاقِصِ وَالْمُحِقُّ مِنْ الْمُبْطِلِ، ثُمَّ ذَكَرَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، ثُمَّ قَالَ: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ} [التوبة: ١٠١].
وَقَالَ: {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ} [التوبة: ١٠١] أَيْ اسْتَمَرُّوا عَلَيْهِ وَتَحَقَّقُوا بِهِ.
وَقَالَ: وَآخَرُونَ يَعْنِي عَلَى التَّوَسُّطِ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا، ثُمَّ قَالَ: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ} [التوبة: ١٠٦] وَهُمْ نَحْوٌ مِنْ سَبْعَةٍ، مِنْهُمْ أَبُو لُبَابَةَ، وَكَعْبٌ، وَمُرَارَةُ، وَهِلَالٌ، جَعَلَهُمْ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ وَرَجَّأَهُمْ بِالتَّوْبَةِ، مُشِيرًا إلَى الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، ثُمَّ قَالَ: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا} [التوبة: ١٠٧].
أَسْقَطَ ابْنُ عَامِرٍ وَنَافِعٌ مِنْهُمَا الْوَاوَ، كَأَنَّهُ رَدَّهُ إلَى مَنْ هُوَ أَهْلٌ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَزَادَ غَيْرُهُمَا الْوَاوَ، كَأَنَّهُ جَعَلَهُمْ صِنْفًا آخَرَ.
وَقَدْ قِيلَ: إنَّ إسْقَاطَ الْوَاوِ تَجْعَلُهُ مُبْتَدَأً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ بَلْ هُوَ لِمَا تَقَدَّمَ وَصْفٌ، وَلَنْ يَحْتَاجَ إلَى إضْمَارٍ، وَقَدْ مَهَّدْنَاهُ فِي الْمُلْجِئَةِ.
[مَسْأَلَة سَبَبِ نُزُولِ آيَة وَاَلَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ: رُوِيَ «أَنَّ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ كُلُّهُمْ يَنْتَمُونَ إلَى الْأَنْصَارِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بَنَوْا مَسْجِدًا ضِرَارًا بِمَسْجِدِ قُبَاءَ، وَجَاءُوا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ خَارِجٌ إلَى تَبُوكَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ بَنَيْنَا مَسْجِدًا لِذِي الْعِلَّةِ وَالْحَاجَةِ وَاللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ، وَإِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَنَا وَتُصَلِّيَ فِيهِ لَنَا. فَقَالَ النَّبِيُّ: إنِّي عَلَى جَنَاحِ سَفَرٍ وَشُغْلٍ، وَلَوْ قَدِمْنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَتَيْنَاكُمْ فَصَلَّيْنَا لَكُمْ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute