الرَّابِعُ: أَنَّهُ قِيَامُ اللَّيْلِ؛ قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: هُوَ قِيَامُ اللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ، وَذَلِكَ أَثْقَلُهُ عَلَى النَّاسِ، وَمَتَى كَانَ النَّوْمُ حِينَئِذٍ أَحَبَّ فَالصَّلَاةُ حِينَئِذٍ أَحَبُّ وَأَوْلَى.
وَالْقَوْلُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ مَضَى، وَسَيَأْتِي فِي سُورَةِ الزُّمَرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[الْآيَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ]
ْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة: ١١].
قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الْآيَةُ لَمْ يَذْكُرْهَا مَنْ طَالَعْت كَلَامَهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الْقُرْآنِيَّةِ، وَذَكَرَهَا الْقُرْطُبِيُّ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ خَاصَّةً مُنْتَزِعًا بِهَا لِجَوَازِ الْوَكَالَةِ مِنْ قَوْلِهِ: {الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: ١١] وَهَذَا أَخْذٌ مِنْ لَفْظِهِ، لَا مِنْ مَعْنَاهُ؛ فَإِنَّ كُلَّ فَاعِلٍ غَيْرِ اللَّهِ إنَّمَا يَفْعَلُ بِمَا خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ الْفِعْلِ، لَا بِمَا جَعَلَ إلَيْهِ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الدِّينِ. وَلَوْ اطَّرَدَ ذَلِكَ لَقُلْنَا فِي قَوْلِهِ: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: ١٥٨] أَنَّهَا نِيَابَةٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَوَكَالَةٌ فِي تَبْلِيغِ رِسَالَتِهِ، وَلَقُلْنَا أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [الحج: ٧٨] إنَّهُ وَكَالَةٌ فِي أَنَّ اللَّهَ ضَمِنَ الرِّزْقَ لِكُلِّ دَابَّةٍ، وَخَصَّ الْأَغْنِيَاءَ بِالْأَغْذِيَةِ، وَأَوْعَزَ إلَيْهِمْ بِأَنَّ رِزْقَ الْفُقَرَاءِ عِنْدَهُمْ، وَأَمَرَهُمْ بِتَسْلِيمِهِ إلَيْهِمْ، مُقَدَّرًا مَعْلُومًا فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ، وَدَبَّرَهُ بِعِلْمِهِ، وَأَنْفَذَهُ مِنْ حُكْمِهِ، وَقَدَّرَهُ بِحِكْمَتِهِ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ.
وَلَا تَتَعَلَّقُ الْأَحْكَامُ بِالْأَلْفَاظِ، إلَّا أَنْ تُرَدَّ عَلَى مَوْضُوعَاتِهَا الْأَصْلِيَّةِ فِي مَقَاصِدِهَا الْمَطْلُوبَةِ، فَإِنْ ظَهَرَتْ فِي غَيْرِ مَقْصِدِهَا لَمْ تُعَلَّقْ عَلَيْهَا مَقَاصِدُهَا. أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ مَعْلُومُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: ١١١].
وَلَا يُقَالُ: هَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ مُبَايَعَةِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَيْنِ مُخْتَلِفَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute