الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَحِلُّ الْيَمِينَ، وَإِنَّمَا هُوَ بَدَلٌ مِنْ الْكَفَّارَةِ، وَرَأَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ يَحِلُّهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّهُ غَيْرُ عَازِمٍ عَلَى الْفِعْلِ، وَلِهَذِهِ النُّكْتَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ إذَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: " إنْ شَاءَ اللَّهُ " مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: ٢٣] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٤] وَمَوْرِدُ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا إلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا ثُنْيَا لَهُ، لِأَنَّ الْحَالَ فِي الْحَقِيقَةِ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ وَقَصَدَ بِهَذَا الْقَوْلِ حَلَّ الْيَمِينِ فَإِنَّهَا تَنْحَلُّ عَنْهُ.
[مَسْأَلَةٌ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: قَالَ الْأَكْثَرُ: الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ فُسْحَةٌ لِلزَّوْجِ، لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِيهَا وَلَا كَلَامَ مَعَهُ لَأَجَلِهَا؛ فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ يَكُونُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ، وَيُوَقَّتُ لَهُ الْأَمَدُ، وَتُعْتَبَرُ حَالُهُ عِنْدَ انْقِضَائِهِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: يَمِينُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مُوجِبٌ الْحُكْمَ.
وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّهَا لِمَنْ آلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ تَقْدِيرَاتٍ:
الْأَوَّلُ: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ؛ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.
الثَّانِي: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرِ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.
الثَّالِثُ: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.
فَالثَّالِثُ بَاطِلٌ قَطْعًا، وَالْأَوَّلُ مُرَادٌ قَطْعًا، وَالثَّانِي مُحْتَمِلٌ لِلْمُرَادِ احْتِمَالًا بَعِيدًا؛ وَالْأَصْلُ عَدَمِ الْحُكْمِ فِيهِ؛ فَلَا يُقْضَى بِهِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَقُول: حَلَفْت عَلَى مُدَّةٍ هِيَ لِي، فَلَا كَلَامَ مَعِي، وَلَيْسَ عَنْ هَذَا جَوَابٌ.
[مَسْأَلَةٌ قَوْله تَعَالَى فَإِنْ فَاءُوا]
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: ٢٢٦]: وَالْمَعْنَى: إنْ رَجَعُوا، وَالرُّجُوعُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ مَرْجُوعٍ عَنْهُ، وَقَدْ كَانَ تَقَدَّمَ مِنْهُ يَمِينٌ وَاعْتِقَادٌ؛ فَأَمَّا الْيَمِينُ فَيَكُونُ الرُّجُوعُ عَنْهَا بِالْكَفَّارَةِ، لِأَنَّهَا تَحِلُّهَا، وَأَمَّا الِاعْتِقَادُ فَيَكُونُ الرُّجُوعُ عَنْهُ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَهُ مُسْتَتِرٌ لَا يَظْهَرُ إلَّا بِمَا يُكْشَفُ عَنْهُ مِنْ فِعْلٍ