للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيلَ: هُوَ نَفْيٌ. وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقْرَؤُهَا: مَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ، لِتَحْقِيقِ النَّفْيِ. الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ فِي تَنْقِيحِ الْأَقْوَالِ: أَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْكِتَابِ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَنَالُهُ فِي وَقْتٍ، وَلَا تَصِلُ إلَيْهِ بِحَالٍ؛ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ ذَلِكَ لَمَا كَانَ لِلِاسْتِثْنَاءِ فِيهِ مَحَلٌّ.

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: أَنَّهُ الَّذِي بِأَيْدِي الْمَلَائِكَةِ مِنْ الصُّحُفِ فَإِنَّهُ قَوْلٌ مُحْتَمَلٌ؛ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ مَالِكٌ قَالَ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي قَوْلِهِ: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: ٧٩] أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْآيَةِ الَّتِي فِي {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [عبس: ١]: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} [عبس: ١٢] {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ} [عبس: ١٣] {مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ} [عبس: ١٤] {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} [عبس: ١٥] {كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: ١٦] يُرِيدُ أَنَّ الْمُطَهَّرِينَ هُمْ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ وُصِفُوا بِالطَّهَارَةِ فِي سُورَةِ " عَبَسَ "

[مَسْأَلَة إذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَمَسَّ صُحُف الْمُصْحَف هَلْ يَجِب عَلَيْهِ الْوُضُوء]

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ أَمْرٌ بِالتَّوَضُّؤِ [بِالْقُرْآنِ] إذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَمَسَّ صُحُفَهُ، فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ لَفْظَهُ لَفْظُ الْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ، وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَحَقَّقْنَا أَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ الشَّرْعِ، أَيْ لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ شَرْعًا، فَإِنْ وُجِدَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ الشَّرْعِ.

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ مَعْنَاهُ لَا يَجِدُ طَعْمَهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ مِنْ الذُّنُوبِ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ فَهُوَ صَحِيحٌ، اخْتَارَهُ الْبُخَارِيُّ؛ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ذَاقَ طَعْمَ الْإِسْلَامِ مَنْ رَضِيَ بِاَللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيًّا»؛ لَكِنَّهُ عُدُولٌ عَنْ الظَّاهِرِ لِغَيْرِ ضَرُورَةِ عَقْلٍ وَلَا دَلِيلِ سَمْعٍ.

وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الَّذِي كَتَبَهُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنُسْخَتُهُ: «مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ إلَى شُرَحْبِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، وَالْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، وَنُعَيْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>