وَالنِّكَاحُ وَبَابُهُ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْمَصَالِحِ، وَمَصْلَحَةُ الْعَبْدِ مَوْكُولَةٌ إلَى السَّيِّدِ، هُوَ يَرَاهَا وَيُقِيمُهَا لِلْعَبْدِ، وَلِذَلِكَ زَوَّجَ الْأَمَةَ بِمِلْكِهِ لِرَقَبَتِهَا، لَا بِاسْتِيفَائِهِ لِبُضْعِهَا.
وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بُضْعَ امْرَأَتِهِ وَإِنْ كَانَ يَمْلِكُهَا، وَيَمْلِكُ بُضْعَ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ أَمَةً، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَوْفِيهِ. وَالْمَالِكِيَّةُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ كَالْمَالِكِيَّةِ فِي رَقَبَةِ الْأَمَةِ.
وَالْمَصْلَحَةُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِيَدِ السَّيِّدِ اسْتِيفَاؤُهَا وَإِقَامَتُهَا وَالنَّظَرُ إلَيْهَا، وَمِنْهَا وَمِنْ عَدِّهِمْ الطَّلَاقَ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ بِمِلْكِ عَقْدِهِ. وَهَذَا لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ نَظَرًا فِي الْمَصْلَحَةِ، فَإِنْ أَسْقَطَهَا الْعَبْدُ فَقَدْ أَسْقَطَ خَالِصَ حَقِّهِ الَّذِي لَهُ، وَقَدْ نَرَى الثَّيِّبَ لَا تَمْلِكُ الطَّلَاقَ، وَلَا يُمْلَكُ عَلَيْهَا النِّكَاحُ، وَيُمْلَكُ النِّكَاحُ عَلَى السَّفِيهِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يُمْلَكُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَيُمْلَكُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ، وَلَا يَمْلِكُ هُوَ الْإِقَالَةَ وَلَا الْفَسْخَ، وَلَا الْعِتْقَ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَيْنَيْنِ غَيْرُ مَطْلَعِ الْآخَرِ، فَافْتَرَقَا.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ أَرَادَ الْمَمْلُوكَيْنِ لَقَالَ مِنْ عَبِيدِكُمْ.
قُلْنَا عَنْهُ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ: (وَإِمَائِكُمْ)، وَلَوْ أَرَادَ النَّاسَ لَمَا جَاءَ بِالْهَمْزَةِ. كَمَا تَقَدَّمَ، وَلِذَلِكَ قَرَأَهَا الْحَسَنُ مِنْ عَبِيدِكُمْ، وَلِيُبَيَّنَ الْإِشْكَالُ وَيُرْفَعَ اللَّبْسُ.
الثَّانِي: أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَوْ قَدَّرْنَاهُ كَمَا زَعَمُوا لَكَانَ عَامًّا، وَكُنَّا نَحْكُمُ بِعُمُومِهِ فِيمَنْ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، كَمَا حَكَمْنَا بِعُمُومِهِ فِيمَنْ كَانَتْ أَمَةً لِلَّهِ أَوْ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ بِتَمْلِيكِهِ إيَّاهَا لَهُ.
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ]
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: ٣٢].
وَهَذَا فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: يُغْنِيهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ بِالنِّكَاحِ، كَقَوْلِهِ: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: ١٣٠] يَعْنِي النِّكَاحَ مِنْ غَيْرِهِ.
الثَّانِي: يُغْنِيهِمْ بِالْمَالِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ؛ فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute