الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ: {مِمَّنْ عَزَلْتَ} [الأحزاب: ٥١] يَعْنِي أَزَلْت، وَالْعُزْلَةُ الْإِزَالَةُ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ فِي اللَّفْظَيْنِ مَفْهُومٌ.
وَالْمَعْنَى: وَمَنْ أَرَدْت أَنْ تَضُمَّهُ وَتُؤْوِيَهُ بَعْدَ أَنْ أَزَلْته فَقَدْ نِلْت ذَلِكَ عِنْدَنَا، وَوَجَدْته تَحْقِيقًا لِقَوْلِ عَائِشَةَ: لَا أَرَى رَبُّك إلَّا وَهُوَ يُسَارِعُ فِي هَوَاك؛ فَإِنْ شَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُؤَخِّرَ أَخَّرَ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُقَدِّمَ اسْتَقْدَمَ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَقْلِبَ الْمُؤَخَّرَ مُقَدَّمًا وَالْمُقَدَّمَ مُؤَخَّرًا فَعَلَ، لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا حَرَجَ فِيهِ، وَهِيَ:
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: وَقَدْ بَيَّنَّا الْجُنَاحَ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَأَوْضَحْنَا حَقِيقَتَهُ.
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ]
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} [الأحزاب: ٥١]: الْمَعْنَى أَنَّ الْأَمْرَ إذَا كَانَ الْإِدْنَاءُ وَالْإِقْصَاءُ لَهُنَّ، وَالتَّقْرِيبُ وَالتَّبْعِيدُ إلَيْك، تَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ مَا شِئْت، كَانَ أَقْرَبَ إلَى قُرَّةِ أَعْيُنِهِنَّ، وَرَاحَةِ قُلُوبِهِنَّ؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي شَيْءٍ كَانَ رَاضِيًا بِمَا أُوتِيَ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ لَهُ حَقًّا لَمْ يُقْنِعْهُ مَا أُوتِيَ مِنْهُ، وَاشْتَدَّتْ غَيْرَتُهُ عَلَيْهِ، وَعَظُمَ حِرْصُهُ فِيهِ، فَكَانَ مَا فَعَلَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ مِنْ تَفْوِيضِ الْأَمْرِ إلَيْهِ فِي أَحْوَالِ أَزْوَاجِهِ أَقْرَبَ إلَى رِضَاهُنَّ مَعَهُ، وَاسْتِقْرَارِ أَعْيُنِهِنَّ عَلَى مَا يُسْمَحُ بِهِ مِنْهُ لَهُنَّ، دُونَ أَنْ تَتَعَلَّقَ قُلُوبُهُنَّ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي:
الْمَسْأَلَةِ الثَّامِنَةِ: {وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} [الأحزاب: ٥١]
الْمَعْنَى: وَتَرْضَى كُلُّ وَاحِدَةٍ بِمَا أُوتِيَتْ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، لِعِلْمِهَا بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ حَقٍّ لَهَا، وَإِنَّمَا هُوَ فَضْلٌ تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْهَا، وَقَلِيلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَثِيرٌ، وَاسْمُ زَوْجَتِهِ، وَالْكَوْنُ فِي عِصْمَتِهِ، وَمَعَهُ فِي الْآخِرَةِ فِي دَرَجَتِهِ، فَضْلٌ مِنْ اللَّهِ كَبِيرٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute