[مَسْأَلَة قَوْله تَعَالَى أَلَمْ نَجْعَلْ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا} [المرسلات: ٢٥] {أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} [المرسلات: ٢٦] يَقْتَضِي أَنْ يُدْفَنَ فِيهَا الْمَيِّتُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ كُلِّهَا مِنْ شَعْرٍ، وَظُفْرٍ، وَثِيَابٍ، وَمَا يُوَارِيهِ عَلَى التَّمَامِ، وَمَا اتَّصَلَ بِهِ وَمَا بَانَ عَنْهُ، وَقَدْ قَرَّرْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ الْمَسَائِلِ:
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ احْتَجَّ عُلَمَاؤُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي قَطْعِ النَّبَّاشِ لِأَنَّهُ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ مَكْفُوتٍ، وَحِمًى مَضْمُومٍ، وَقَدْ مَهَّدْنَا ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، وَقَرَّرْنَا أَنْ يُنْظَرَ فِي دُخُولِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِأَنْ نَقُولَ: هَذَا حِرْزٌ كِفَاتٌ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا} [المرسلات: ٢٥] {أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} [المرسلات: ٢٦] فَجَعَلَ حَالَ الْمَرْءِ فِيهَا بَعْدَ الْمَمَاتِ فِي كَفْتِهَا لَهُ وَضَمِّهَا لِحَالِهِ كَحَالَةِ الْحَيَاةِ وَمَا تَحْفَظُهُ وَتَحْرُزُ حَيًّا، كَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَيِّتًا فَهَذَا أَصْلٌ ثَبَتَ بِالْقُرْآنِ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِي دُخُولِهِ تَحْتَ قَوْلِهِ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] وَذَلِكَ يَثْبُتُ بِطَرِيقِ اللُّغَةِ، فَإِنَّ السَّارِقَ فِيهَا هُوَ آخِذُ الْمَالِ عَلَى طَرِيقِ الْخِفْيَةِ وَمُسَارَقَةِ الْأَعْيُنِ، وَهَذَا فِعْلُهُ فِي الْقَبْرِ كَفِعْلِهِ فِي الدَّارِ، ثُمَّ يُنْظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَنَّ الَّذِي سُرِقَ مَالٌ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: إنَّ الْكَفَنَ لَيْسَ بِمَالٍ؛ لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلْإِتْلَافِ، وَقُلْنَا نَحْنُ: هُوَ مُعَرَّضٌ لِلْإِتْلَافِ فِي مَنْفَعَةِ الْمَالِكِ، كَالْمَلْبُوسِ فِي الْحَيَاةِ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِي أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِمَالِكٍ، فَإِنَّ الْمَيِّتَ مَالِكٌ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ نَصَبَ شَبَكَةً فِي حَالِ حَيَاتِهِ، فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ، تُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ، وَتَنْفُذُ فِيهِ وَصَايَاهُ. وَحَقِيقَةُ الْمِلْكِ مَوْجُودَةٌ فِي الْكَفَنِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهِ وَمُحْتَاجٌ إلَيْهِ، فَإِذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَرْكَانُ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْمَعْنَى ثَبَتَ الْقَطْعُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْآيَة الثَّانِيَة قَوْله تَعَالَى إنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ]
ِ} [المرسلات: ٣٢].
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute