للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يَسْقُطْ نُورُ الشَّفَقِ»، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَى حَالَيْنِ: كَثِيرٍ وَقَلِيلٍ، وَهُوَ الَّذِي تَوَقَّفَ فِيهِ

مَالِكٌ مِنْ جِهَةِ اشْتِقَاقِهِ، وَاخْتِلَافِ إطْلَاقِهِ، ثُمَّ فَكَّرَ فِيهِ مُنْذُ قَرِيبٍ، وَذَكَرَ كَلَامًا مُجْمَلًا، تَحْقِيقُهُ أَنَّ الطَّوَالِعَ أَرْبَعَةٌ: الْفَجْرُ الْأَوَّلُ، وَالثَّانِي، وَالْحُمْرَةُ، وَالشَّمْسُ. وَكَذَلِكَ الْغَوَارِبُ أَرْبَعَةٌ: الْبَيَاضُ الْآخَرُ، وَالْبَيَاضُ الَّذِي يَلِيهِ، الْحُمْرَةُ، الشَّفَقُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: كَمَا يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بِالطَّالِعِ الثَّانِي مِنْ الْأَوَّلِ فِي الطَّوَالِعِ، كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْغَارِبِ مِنْ الْآخَرِ، وَهُوَ الْبَيَاضُ.

وَقَالَ عُلَمَاؤُهُمْ الْمُحَقِّقُونَ: وَكَمَا قَالَ {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: ٥] فَكَانَ الْحُكْمُ مُتَعَلِّقًا بِالْفَجْرِ الثَّانِي، كَذَلِكَ إذَا قَالَ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ بِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالشَّفَقِ الثَّانِي؛ وَهَذِهِ تَحْقِيقَاتٌ قَوِيَّةٌ عَلَيْنَا.

وَاعْتَمَدَ عُلَمَاؤُنَا عَلَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ» وَالْحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِأَوَّلِ الِاسْمِ، وَكَذَلِكَ كُنَّا نَقُولُ فِي الْفَجْرِ، إلَّا أَنَّ النَّصَّ قَطَعَ بِنَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَيْسَ الْفَجْرُ أَنْ يَكُونَ هَذَا وَرَفَعَ يَدَهُ إلَى فَوْقٍ، وَلَكِنَّهُ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا وَبَسَطَهَا وَقَالَ: لَيْسَ الْمُسْتَطِيلُ، وَلَكِنَّهُ الْمُسْتَطِيرُ يَعْنِي الْمُنْتَشِرَ، وَلِأَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ قَالَ: «أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِوَقْتِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّيهَا لِسُقُوطِ الْقَمَرِ لِثُلُثَيْهِ» وَقَالَ الْخَلِيلُ: رَقَبْت مَغِيبَ الْبَيَاضِ فَوَجَدْته يَتَمَادَى إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: رَأَيْته يَتَمَادَى إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَمَّا لَمْ يَتَحَدَّدْ وَقْتُهُ مِنْهُ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ.

[مَسْأَلَة قَوْله تَعَالَى وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: ٢١] ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَرَأَ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: ١] فَسَجَدَ فِيهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ فِيهَا» وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مِنْهُ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْمَدَنِيِّينَ عَنْهُ. وَقَدْ اعْتَضَدَ فِيهَا الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ.

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَمَّا أَمَمْت بِالنَّاسِ تَرَكْت قِرَاءَتَهَا؛ لِأَنِّي إنْ سَجَدْت أَنْكَرُوهُ، وَإِنْ تَرَكْتهَا كَانَ تَقْصِيرًا مِنِّي، فَاجْتَنَبْتهَا إلَّا إذَا صَلَّيْت وَحْدِي. وَهَذَا تَحْقِيقُ وَعْدِ الصَّادِقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>