فِي مَفْعُولَيْ ظَنَنْت أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَحَدِهِمَا أَصْلًا، فَإِنْ صَرَّحَ بِأَحَدِهِمَا وَتَرَكَ الْآخَرَ فَهُوَ مُضْمَرٌ؛ فَأَمَّا أَنْ يُقَدِّرَ مَا أَضْمَرَ وَيُسْقِطَ مَا صَرَّحَ فَكَلَامٌ غَبِيٌّ.
[مَسْأَلَة الْكِسْوَة فِي كَفَّارَة الْيَمِين]
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى: {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: ٨٩] قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: أَقَلُّ مَا تُجْزِئُ فِيهِ الصَّلَاةُ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْفَرَجِ عَنْ مَالِكٍ، وَبِهِ قَالَ إبْرَاهِيمُ وَمُغِيرَةُ: مَا يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُجْزِئُ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ. وَلَعَلَّ قَوْلَ الْمُخَالِفِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ يُمَاثِلُ مَا تُجْزِئُ فِيهِ الصَّلَاةُ؛ فَإِنَّ مِئْزَرًا وَاحِدًا تُجْزِئُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَيَقَعُ بِهِ الِاسْمُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْأَقَلِّ. وَمَا كَانَ أَحَرَصَنِي عَلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِيهِ إلَّا كِسْوَةٌ تَسْتُرُ عَنْ أَذَى الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، كَمَا أَنَّ عَلَيْهِ طَعَامًا يُشْبِعُهُ مِنْ الْجُوعِ فَأَقُولُ بِهِ.
وَأَمَّا الْقَوْلُ بِمِئْزَرٍ وَاحِدٍ فَلَا أَدْرِيه، وَاَللَّهُ يَفْتَحُ لِي وَلَكُمْ فِي الْمَعْرِفَةِ بِمَعُونَتِهِ.
[مَسْأَلَة هَلْ تُجْزِئ الْقِيمَة عَنْ الطَّعَام وَالْكِسْوَة فِي الْكَفَّارَة]
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: لَا تُجْزِئُ الْقِيمَةُ عَنْ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُجْزِئُ، وَهُوَ يَقُولُ: تُجْزِئُ الْقِيمَةُ فِي الزَّكَاةِ، فَكَيْفَ فِي الْكَفَّارَةِ؟ وَعُمْدَتُهُ أَنَّ الْغَرَضَ سَدُّ الْخُلَّةِ، وَرَفْعُ الْحَاجَةِ، فَالْقِيمَةُ تُجْزِئُ فِيهِ.
قُلْنَا: إنْ نَظَرْتُمْ إلَى سَدِّ الْخُلَّةِ فَأَيْنَ الْعِبَادَةُ؟ وَأَيْنَ نَصُّ الْقُرْآنِ عَلَى الْأَعْيَانِ الثَّلَاثَةِ وَالِانْتِقَالُ بِالْبَيَانِ مِنْ نَوْعٍ إلَى نَوْعٍ؛ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْقِيمَةَ لَكَانَ فِي ذِكْرِ نَوْعٍ وَاحِدٍ مَا يُرْشِدُ إلَيْهِ وَيُغْنِي عَنْ ذِكْرِ غَيْرِهِ.
[مَسْأَلَة دَفَعَ الْكِسْوَةَ إلَى ذِمِّيٍّ فِي كَفَّارَة الْيَمِين]
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: إذَا دَفَعَ الْكِسْوَةَ إلَى ذِمِّيٍّ أَوْ الطَّعَامَ لَمْ يُجْزِهِ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُجْزِئُ لِأَنَّهُ مِسْكِينٌ يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُ الْمَسْكَنَةِ، وَيَشْتَمِلُ عَلَيْهِ عُمُومُ الْآيَةِ، فَعَلَيْنَا التَّخْصِيصُ، فَتَخْصِيصُهُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ نَقُولَ: هُوَ كَافِرٌ، فَلَا يَسْتَحِقُّ فِي الْكَفَّارَةِ حَقًّا كَالْحَرْبِيِّ. أَوْ نَقُولَ: جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ يَجِبُ إخْرَاجُهُ لِلْمَسَاكِينِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْكَافِرِ، أَصْلُهُ الزَّكَاةُ.
وَقَدْ اتَّفَقْنَا مَعَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا لِلْمُرْتَدِّ، فَكُلُّ دَلِيلٍ خَصَّ بِهِ الْمُرْتَدَّ فَهُوَ دَلِيلُنَا فِي الذِّمِّيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute