قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: لَا عِلْمَ لِي بِهِ، كُنْت مُشْتَغِلًا بِنَفْسِي وَصَلَاتِي عَنْ النَّاسِ وَصَلَاتِهِمْ. فَخَجِلَ الرَّجُلُ وَأُعْجِبَ الْحَاضِرُونَ بِالْقَوْلِ. وَصَدَقَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزَّاهِدُ؛ لَوْ كَانَ لِصَلَاتِهِ قَدْرٌ، أَوْ لَهُ بِهَا شُغْلٌ وَإِقْبَالٌ بِالْكُلِّيَّةِ لَمَا عَلِمَ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ عَنْ يَسَارِهِ فَضْلًا عَنْ مَعْرِفَتِهِ كَيْفِيَّةَ صَلَاتِهِ، وَإِلَّا فَأَحَدُ الرَّجُلَيْنِ أَسَاءَ صَلَاتَهُ فِي حَذْفِ صِفَاتِهَا، وَاخْتِصَارِ أَرْكَانِهَا، وَهَذَا أَسَاءَ صَلَاتَهُ فِي الِاشْتِغَالِ بِصَلَاةِ هَذَا، حَتَّى ذَهَبَ حِفْظُ صَلَاتِهِ وَخُشُوعُهَا.
وَنُكْتَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ قَوْلَك: " اللَّهُ أَكْبَرُ " يُحَرِّمُ عَلَيْك الْأَفْعَالَ بِالْجِوَارِ، وَالْكَلَامَ بِاللِّسَانِ؛ وَنِيَّةَ الصَّلَاةِ تُحَرِّمُ عَلَيْك الْخَوَاطِرَ بِالْقَلْبِ، وَالِاسْتِرْسَالَ عَنْ الْأَفْكَارِ، إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ ضَبْطَ الشَّرِّ مِنْ السِّرِّ يَفُوتُ طَوْقَ الْبَشَرِ سَمَحَ فِيهِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانًا لَهُ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْآيَة الثَّانِيَة قَوْله تَعَالَى وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ]
َ} [المؤمنون: ٥].
فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: مِنْ غَرِيبِ الْقُرْآنِ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ الْعَشْرِ هِيَ عَامَّةٌ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، كَسَائِرِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ الَّتِي هِيَ مُحْتَمَلَةٌ لَهُمْ، فَإِنَّهَا عَامَّةٌ فِيهِمْ، إلَّا قَوْلَهُ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: ٥] فَإِنَّهُ خِطَابٌ لِلرِّجَالِ خَاصَّةً دُونَ النِّسَاءِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: ٦]، وَلَا إبَاحَةَ بَيْنَ النِّسَاءِ وَبَيْنَ مِلْكِ الْيَمِينِ فِي الْفَرْجِ؛ وَإِنَّمَا عُرِفَ حِفْظُ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا مِنْ أَدِلَّةٍ أُخَرَ، كَآيَاتِ الْإِحْصَانِ عُمُومًا وَخُصُوصًا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: سَمِعْت حَرْمَلَةَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَجْلِدُ عُمَيْرَةَ، فَتَلَا هَذِهِ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: ٥] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: ٦] {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: ٧].
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute