أَوْ بَقِيَتْ عَلَى رَأْيِ آخَرِينَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْأُصُولِ ظَهَرَ الْمَقْدُورُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقُدْرَةِ إنْ كَانَ كَثِيرًا فَكَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا فَقَلِيلًا، وَكَذَلِكَ تَظْهَرُ الْمَفْعُولَاتُ بِحَسَبِ مَا يُلْقِي اللَّهُ فِي الْقُلُوبِ مِنْ الطُّمَأْنِينَةِ، فَإِذَا ائْتَلَفَتْ الْقُلُوبُ عَلَى الْأَمْرِ اسْتَتَبَّ وُجُودُهُ، وَاسْتَمَرَّ مَرِيرُهُ، وَإِذَا تَخَلْخَلَ الْقَلْبُ قَصُرَ عَنْ النَّظَرِ، وَضَعُفَتْ الْحَوَاسُّ عَنْ الْقَبُولِ، وَالِائْتِلَافُ طُمَأْنِينَةٌ لِلنَّفْسِ، وَقُوَّةٌ لِلْقَلْبِ، وَالِاخْتِلَافُ إضْعَافٌ لَهُ؛ فَتُضَعَّفُ الْحَوَاسُّ، فَتَقْعُدُ عَنْ الْمَطْلُوبِ، فَيَفُوتُ الْغَرَضُ؛ وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: ٤٦]، وَكَنَّى بِالرِّيحِ عَنْ اطِّرَادِ الْأَمْرِ وَمُضَائِهِ بِحُكْمِ اسْتِمْرَارِ الْقُوَّةِ فِيهِ وَالْعَزِيمَةِ عَلَيْهِ، وَأَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْأَمْرِ بِالصَّبْرِ الَّذِي يَبْلُغُ الْعَبْدُ بِهِ إلَى كُلِّ أَمْرٍ مُتَعَذِّرٍ بِوَعْدِهِ الصَّادِقِ فِي أَنَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ. .
[الْآيَة الرَّابِعَة عَشْرَة قَوْله تَعَالَى فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ]
الْآيَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ:
قَوْله تَعَالَى: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأنفال: ٥٧].
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ} [الأنفال: ٥٧]: يَعْنِي تُصَادِفُهُمْ وَتَلْقَاهُمْ، يُقَالُ: ثَقِفْته أَثْقَفُهُ ثَقَفًا إذَا وَجَدْته، وَفُلَانٌ ثَقِفٌ لَقِفٌ أَيْ سَرِيعُ الْوُجُودِ لِمَا يُحَاوَلُ مِنْ الْقَوْلِ.
وَامْرَأَةٌ ثَقَافٌ.
هَكَذَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَهُوَ عِنْدِي بِمَعْنَى الْحَبْسِ، وَمِنْهُ رَجُلٌ ثَقِفٌ أَيْ يُقَيِّدُ الْأُمُورَ بِمَعْرِفَتِهِ.
[مَسْأَلَة الْمُرَاد مِنْ قَوْله تَعَالَى فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْله تَعَالَى: {فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} [الأنفال: ٥٧]: أَيْ افْعَلْ بِهِمْ فِعْلًا مِنْ الْعُقُوبَةِ يَتَفَرَّقُ بِهِمْ مَنْ وَرَاءَهُمْ، وَمِنْهُ شَرَدَ الْبَعِيرُ وَالدَّابَّةُ إذَا فَارَقَ صَاحِبَهُ وَمَأْلَفَهُ وَمَرْعَاهُ، وَهَذَا أَحَدُ الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ الَّتِي لِلْإِمَامِ فِي الْأَسْرَى: مِنْ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَالْجِزْيَةِ وَالْقَتْلِ، وَقَدْ مَهَّدْنَاهَا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، وَيَأْتِي هَاهُنَا وَفِي سُورَةِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَهَذَا يُعْتَضَدُ بِالْآيَةِ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} [الأنفال: ٦٧] عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute