للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرِّجَالُ فَيَتَكَشَّفْنَ، وَيُكَلِّمْنَهُنَّ؛ فَإِذَا تَجَلْبَبَتْ وَتَسَتَّرَتْ كَانَ ذَلِكَ حِجَابًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُتَعَرِّضِ بِالْكَلَامِ، وَالِاعْتِمَادُ بِالْإِذَايَةِ، وَقَدْ قِيلَ: وَهِيَ:

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: إنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ.

قَالَ قَتَادَةُ: كَانَتْ الْأَمَةُ إذَا مَرَّتْ تَنَاوَلَهَا الْمُنَافِقُونَ بِالْإِذَايَةِ، فَنَهَى اللَّهُ الْحَرَائِرَ أَنْ يَتَشَبَّهْنَ بِالْإِمَاءِ؛ لِئَلَّا يَلْحَقَهُنَّ مِثْلُ تِلْكَ الْإِذَايَةِ.

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَضْرِبُ الْإِمَاءَ عَلَى التَّسَتُّرِ وَكَثْرَةِ التَّحَجُّبِ، وَيَقُولُ: أَتَتَشَبَّهْنَ بِالْحَرَائِرِ؟ وَذَلِكَ مِنْ تَرْتِيبِ أَوْضَاعِ الشَّرِيعَةِ بَيِّنٌ.

[الْآيَة الثَّالِثَةُ وَالْعُشْرُونَ قَوْله تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ آذَوْا مُوسَى]

فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب: ٦٩].

فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحِ الثَّابِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا سَتِيرًا حَيِيًّا مَا يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ، فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَقَالُوا: مَا يَسْتَتِرُ هَذَا التَّسَتُّرَ إلَّا مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ، إمَّا بَرَصٌ، وَإِمَّا أُدْرَةٌ، وَإِمَّا آفَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا، وَإِنَّ مُوسَى خَلَا يَوْمًا وَحْدَهُ، وَخَلَعَ ثِيَابَهُ، وَوَضَعَهَا عَلَى حَجَرٍ، ثُمَّ اغْتَسَلَ. فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا، وَإِنَّ الْحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ، فَطَلَبَ الْحَجَرَ؛ فَجَعَلَ يَقُولُ: ثَوْبِي، حَجَرٌ؛ ثَوْبِي، حَجَرٌ، حَتَّى انْتَهَى إلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَحْسَنَ النَّاسِ خَلْقًا، وَأَبْرَأَهُمْ مِمَّا كَانُوا يَقُولُونَ لَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>