وَرُوِيَ أَنَّ أَهْلَ الشَّامِ قَدْ جَمَعُوا صَدَقَةَ خُيُولِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَأَتَوْا بِهَا عُمَرَ، فَاسْتَشَارَ عَلِيًّا فَقَالَ: لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا إلَّا أَنْ تَكُونَ سُنَّةً بَاقِيَةً بَعْدَك.
فَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا وَلَا ظُهُورِهَا» فَيَعْنِي بِهِ الْحِمْلَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى مَعْنَى النَّدْبِ وَالْخَلَاصِ مِنْ الْحِسَابِ.
وَأَمَّا حَدِيثُهُمْ «فِي الْخَيْلِ السَّائِمَةِ فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَارٌ» فَيَرْوِيهِ غَوْرَكٌ السَّعْدِيُّ، وَهُوَ مَجْهُولٌ.
جَوَابٌ آخَرُ " قَدْ نَاقَضُوا فَقَالُوا: إنَّ الصَّدَقَةَ فِي إنَاثِهَا لَا فِي ذُكُورِهَا.
وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ فَضْلٌ بَيْنَهُمَا، وَنَقِيسُ الْإِنَاثَ عَلَى الذُّكُورِ فِي نَفْيِ الصَّدَقَةِ؟ فَإِنَّهُ حَيَوَانٌ يُقْتَنَى لِنَسْلِهِ لَا لِدَرِّهِ، لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي ذُكُورِهِ، فَلَمْ تَجِبْ فِي إنَاثِهِ، كَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْآيَة الْخَامِسَة قَوْله تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي سخر الْبَحْر لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا]
وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: ١٤].
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: ١٤]: فَسَمَّى الْحُوتَ لَحْمًا، وَأَنْوَاعُ اللَّحْمِ أَرْبَعَةٌ: لُحُومُ الْأَنْعَامِ، وَلُحُومُ الْوَحْشِ، وَلُحُومُ الطَّيْرِ، وَلُحُومُ الْحُوتِ. وَيَعُمُّهَا اسْمُ اللَّحْمِ، وَيَخُصُّهَا أَنْوَاعُهُ، وَفِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ تَتَشَابَهُ؛ وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِيمَنْ حَلَفَ أَلَّا يَأْكُلَ لَحْمًا؛ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَحْنَثُ بِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ: لَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَكْلِ لُحُومِ الْأَنْعَامِ دُونَ الْوَحْشِ وَغَيْرِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute