الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي تَصْحِيحِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ:
أَمَّا قَوْلُ أَبِي رَزِينٍ فَلَمْ يَرِدْ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ؛ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَرُوِيَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ «سَوْدَةَ لَمَّا كَبِرَتْ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ اجْعَلْ يَوْمِي مِنْك لِعَائِشَةَ، فَكَانَ يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَيْنِ: يَوْمَهَا، وَيَوْمَ سَوْدَةَ».
وَأَمَّا قَوْلُ الْحَسَنِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا حَسَنٍ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ امْتِنَاعَ خِطْبَةِ مَنْ يَخْطُبُهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ لَهُ ذِكْرٌ وَلَا دَلِيلٌ فِي شَيْءٍ مِنْ مَعَانِي الْآيَةِ وَلَا أَلْفَاظِهَا.
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: ٥١]
يَعْنِي تُؤَخِّرُ وَتَضُمُّ، وَيُقَالُ: أَرْجَأْته إذَا أَخَّرْته، وَآوَيْت فُلَانًا إذَا ضَمَمْته وَجَعَلْته فِي ذُرَاك وَفِي جُمْلَتِك، فَقِيلَ فِيهِ أَقْوَالٌ سِتَّةٌ:
الْأَوَّلُ: تُطَلِّقُ مَنْ شِئْت، وَتُمْسِكُ مَنْ شِئْت؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
الثَّانِي: تَتْرُكُ مَنْ شِئْت، وَتَنْكِحُ مَنْ شِئْت؛ قَالَهُ قَتَادَةُ.
الثَّالِثُ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ.
الرَّابِعُ: تَقْسِمُ لِمَنْ شِئْت، وَتَتْرُكُ قَسْمَ مَنْ شِئْت.
الْخَامِسُ: مَا فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْت أَغَارُ مِنْ اللَّائِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقُولُ: أَتَهَبُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا؟ فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: ٥١]. قُلْت: مَا أَرَى رَبَّك إلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاك.
السَّادِسُ: ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْتَأْذِنُ فِي يَوْمِ الْمَرْأَةِ مِنَّا بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ} [الأحزاب: ٥١]، فَقِيلَ لَهَا: مَا كُنْت تَقُولِينَ؟ قَالَتْ: كُنْت أَقُولُ: إنْ كَانَ الْأَمْرُ إلَيَّ فَإِنِّي لَا أُرِيدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ أُوثِرَ عَلَيْك أَحَدًا».