وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُلَاعِنُ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَضَعَ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رِيحًا أَوْ دَاءً مِنْ الْأَدْوَاءِ.
وَدَلِيلُنَا النَّصُّ الصَّرِيحُ الصَّحِيحُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَاعَنَ قَبْلَ الْوَضْعِ. وَقَالَ: «إنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِأَبِيهِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِفُلَانٍ» فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ كُنْت رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتهَا».
فَإِنْ قِيلَ: عَلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمْلَهَا؛ فَذَلِكَ حُكْمٌ بِاللِّعَانِ، وَالْحَاكِمُ مِنَّا لَا يَعْلَمُ أَحَمْلٌ هُوَ أَمْ رِيحٌ؟ قُلْنَا: إذَا جَرَتْ أَحْكَامُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْقَضَايَا لَمْ تُحْمَلْ عَلَى الْإِطْلَاعِ عَلَى الْغَيْبِ؛ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ لَمْ تُبْنَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بِهِ عَلِيمًا؛ وَإِنَّمَا الْبِنَاءُ فِيهَا عَلَى الظَّاهِرِ الَّذِي يَشْتَرِكُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ الْقُضَاةُ كُلُّهُمْ. وَقَدْ أَعْرَبَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ». فَأَحَالَ عَلَى الظَّوَاهِرِ؛ وَهَذَا لَا إشْكَالَ فِيهِ.
[مَسْأَلَة قَذَفَ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ لِزَوْجِهِ]
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: إذَا قَذَفَ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ لِزَوْجِهِ لَاعَنَ:
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُلَاعِنُ، وَبَنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ اللِّوَاطَ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ.
وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّ الرَّمْيَ بِهِ فِيهِ مَعَرَّةٌ، وَقَدْ دَخَلَ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: ٦]، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْمُتَقَدِّمِ مِنْ قَوْلِنَا وَفِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ وُجُوبَ الْحَدِّ فِيهِ. الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ:
مِنْ غَرِيبِ أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ أَنَّهُ قَالَ: إذَا قَذَفَ زَوْجَتَهُ وَأُمَّهَا بِالزِّنَا إنَّهُ إنْ حُدَّ لِلْأُمِّ سَقَطَ حَدُّ الْبِنْتِ، وَإِنْ لَاعَنَ لِلْبِنْتِ لَمْ يَسْقُطْ حَدُّ الْأُمِّ.
وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ، وَمَا رَأَيْت لَهُمْ فِيهِ شَيْئًا يُحْكَى؛ وَهَذَا بَاطِلٌ جِدًّا، فَإِنَّهُ خَصَّ عُمُومَ الْآيَةِ فِي الْبَيْتِ وَهِيَ زَوْجَةٌ بِحَدِّ الْأُمِّ مِنْ غَيْرِ أَثَرٍ وَلَا أَصْلٍ قَاسَهُ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute