وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ ذَكَرَ عُقُوبَتَيْنِ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْأَغْلَظُ لِلْأَعْظَمِ وَالْأَقَلُّ لِلْأَصْغَرِ، بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْآيَتَيْنِ فِي النِّسَاءِ جَمِيعًا: إحْدَاهُمَا فِي الثَّيِّبِ، وَالْأُخْرَى فِي الْبِكْرِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ عُلَمَائِنَا: إنَّ الْحِكْمَةَ فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: ١٥] بَيَانُ حَالِ الْمُؤْمِنَاتِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: ٢٨٢] يَعْنِي مِنْ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَ تَعَالَى: {ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] وَيُفِيدُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحُدُّ الْكَافِرَةَ إذَا زَنَتْ، وَذَلِكَ يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[مَسْأَلَةٌ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ]
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَوْله تَعَالَى: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: ١٥] وَهَذَا حُكْمٌ ثَابِتٌ بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْأُمَّةِ، قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: ٤] فَشَرَطَ غَايَةَ الشَّهَادَةِ فِي غَايَةِ الْمَعْصِيَةِ لِأَعْظَمِ الْحُقُوقِ حُرْمَةً، وَتَعْدِيدُ الشُّهُودِ بِأَرْبَعَةٍ حُكْمٌ ثَابِتٌ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ؛ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «جَاءَتْ الْيَهُودُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ قَدْ زَنَيَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ائْتُونِي بِأَعْلَمِ رَجُلَيْنِ مِنْكُمْ فَأَتَوْهُ بِابْنَيْ صُورِيَّا، فَنَشَدَهُمَا اللَّهَ كَيْفَ تَجِدَانِ أَمْرَ هَذَيْنِ فِي التَّوْرَاةِ؟ قَالَا: نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا مِثْلَ الْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ رُجِمَا. قَالَ: فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ تَرْجُمُوهُمَا؟ قَالَا: ذَهَبَ سُلْطَانُنَا وَكَرِهْنَا الْقَتْلَ. فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّهُودِ فَجَاءُوا وَشَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا مِثْلَ الْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَجَمَهُمَا».
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ عُدُولًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَرَطَ الْعَدَالَةَ فِي الْبُيُوعِ وَالرَّجْعَةِ، فَهَذَا أَعْظَمُ، وَهُوَ بِذَلِكَ أَوْلَى، وَهُوَ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِالدَّلِيلِ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute