أَيْدِيَهُمْ لَكَانَ وَجْهًا؛ لِأَنَّ السَّارِقَ وَالسَّارِقَةَ لَمْ يُرَدْ بِهِمَا شَخْصَيْنِ خَاصَّةً، وَإِنَّمَا هُمَا اسْمًا جِنْسٍ يَعُمَّانِ مَا لَا يُحْصَى إلَّا بِالْفِعْلِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ جَمْعٌ لِحَقِيقَةِ الْجَمْعِ فِيهِ.
[مَسْأَلَة قَطْعِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ فِي السَّرِقَة]
وَبَيَانُ مَا قُلْنَا مِنْ قَطْعِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ كَثِيرًا مَآلُهُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ خَاصَّةً، وَلَا يَعُودُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ؛ قَالَهُ عَطَاءٌ.
الثَّانِي: أَنَّهُ تَقْطَعُ الْيُسْرَى وَلَا يَعُودُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ فِي رِجْلِ رَجُلٍ؛ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ.
الثَّالِثُ: تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى، فَإِنْ عَادَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ عَادَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ عَادَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى؛ قَالَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ.
وَأَمَّا قَوْلُ عَطَاءٍ فَلَيْسَ عَلَى غَلَطِهِ غِطَاءٌ؛ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ قَبْلَهُ قَالُوا خِلَافَهُ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨]، فَجَاءَ بِالْجَمْعِ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِأَقْوَالِ النُّحَاةِ قُلْنَا: ذَلِكَ يَكُونُ تَأْوِيلًا مَعَ الضَّرُورَةِ إذَا جَاءَ دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ، فَيُرْجَعُ إلَيْهِ، فَبَطَلَ مَا قَالَهُ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ حَدِيثُ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِلِصٍّ فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إنَّمَا سَرَقَ. قَالَ: اقْطَعُوا يَدَهُ. قَالُوا: ثُمَّ سَرَقَ فَقُطِعَتْ رِجْلُهُ، ثُمَّ سَرَقَ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ فَقُطِعَتْ يَدُهُ حَتَّى قُطِعَتْ قَوَائِمُهُ كُلُّهَا». رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِسَارِقٍ فَقَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الثَّانِيَةَ فَقَطَعَ رِجْلَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ ثَالِثَةً فَقَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ رَابِعَةً فَقَطَعَ رِجْلَهُ». أَمَّا النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد فَرَوَيَاهُ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ. وَأَمَّا الدَّارَقُطْنِيُّ فَرَوَاهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْلًا، وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا.
وَقَالَ الْحَارِثُ: إنَّ أَبَا بَكْرٍ تَمَّمَ قَطْعَهُ، وَاتَّفَقُوا عَلَى قَتْلِهِ فِي الْخَامِسَةِ؛ وَهَذَا يُسْقِط قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَكَذَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي قَطْعِ الْيَمِينِ أَنَّهُ قَطَعَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute