للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَة الْعِفَّةِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَالْعِصْمَةِ عَنْ التَّعَدِّي]

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَوْله تَعَالَى: {بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الفتح: ٢٥] تَفْصِيلٌ لِلصَّحَابَةِ، وَإِخْبَارٌ عَنْ صِفَتِهِمْ الْكَرِيمَةِ مِنْ الْعِفَّةِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ، وَالْعِصْمَةِ عَنْ التَّعَدِّي، حَتَّى إنَّهُمْ لَوْ أَصَابُوا مِنْ أُولَئِكَ أَحَدًا لَكَانَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَهَذَا كَمَا وُصِفَتْ النَّمْلَةُ عَنْ جُنْدِ سُلَيْمَانَ فِي قَوْلِهَا: {لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل: ١٨] حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي سُورَةِ النَّمْلِ.

[مَسْأَلَة الرَّمْيَ فِي حُصُونِ الْمُشْرِكِينَ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ وَأَطْفَالُهُمْ]

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ قَوْله تَعَالَى: {لَوْ تَزَيَّلُوا} [الفتح: ٢٥] يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا. تَنْبِيهٌ عَلَى مُرَاعَاةِ الْكَافِرِ فِي حُرْمَةِ الْمُؤْمِنِ إذَا لَمْ تُمْكِنْ إذَايَةُ الْكَافِرِ إلَّا بِإِذَايَةِ الْمُؤْمِنِ.

وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ قَوْمًا فِي الْمُشْرِكِينَ فِي حِصْنٍ مِنْ حُصُونِهِمْ حَصَرَهُمْ أَهْلُ الْإِسْلَامِ، وَفِيهِمْ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أُسَارَى فِي أَيْدِيهِمْ؛ أَيُحْرَقُ هَذَا الْحِصْنُ أَمْ لَا يُحْرَقُ؟ قَالَ: سَمِعْت مَالِكًا وَسَأَلَ عَنْ قَوْمٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ [يَرْمُونَ] فِي مَرَاكِبِهِمْ أَخَذُوا

أُسَارَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ [وَأَدْرَكَهُمْ أَهْلُ الْإِسْلَامِ فَأَرَادُوا أَنْ يُحَرِّقُوهُمْ وَمَرَاكِبَهُمْ بِالنَّارِ] وَمَعَهُمْ الْأُسَارَى فِي مَرَاكِبِهِمْ، وَقَالَ: فَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى ذَلِكَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِأَهْلِ مَكَّةَ: {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح: ٢٥].

وَقَالَ جَمَاعَةٌ: إنَّ مَعْنَاهُ لَوْ تَزَيَّلُوا عَنْ بُطُونِ النِّسَاءِ وَأَصْلَابِ الرِّجَالِ. وَهَذَا ضَعِيفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الفتح: ٢٥] وَهُوَ فِي صُلْبِ الرَّجُلِ لَا يُوطَأُ وَلَا تُصِيبُ مِنْهُ مَعَرَّةٌ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ صَرَّحَ فَقَالَ: {وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ} [الفتح: ٢٥] وَذَلِكَ لَا يَنْطَلِقُ عَلَى مَا فِي بَطْنِ الْمَرْأَةِ وَصُلْبِ الرَّجُلِ؛ وَإِنَّمَا يَنْطَلِقُ عَلَى مِثْلِ الْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنِ هِشَامٍ، وَعَيَّاشٍ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَأَبِي جُنْدُلِ بْنِ سُهَيْلٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>