الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْمَعَانِي فِي كُتُبِ الْأُصُولِ.
[مَسْأَلَة قَوْله تَعَالَى وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا]
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: ٩٥] فَذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُتَعَمِّدَ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ خَاصَّةً، وَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ، مُتَعَمِّدٌ، وَمُخْطِئٌ، وَنَاسٍ؛ فَالْمُتَعَمِّدُ هُوَ الْقَاصِدُ لِلصَّيْدِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْإِحْرَامِ، وَالْمُخْطِئُ هُوَ الَّذِي يَقْصِدُ شَيْئًا فَيُصِيبُ صَيْدًا. وَالنَّاسِي هُوَ الَّذِي يَتَعَمَّدُ الصَّيْدَ وَلَا يَذْكُرُ إحْرَامَهُ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ.
الثَّانِي: إذَا قَتَلَهُ مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ، نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ؛ فَأَمَّا إذَا كَانَ ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ فَقَدْ حَلَّ وَلَا حَجَّ لَهُ، وَمَنْ أَخْطَأَ فَذَلِكَ الَّذِي يُجْزِي.
الثَّالِثُ: لَا شَيْءَ عَلَى الْمُخْطِئِ وَالنَّاسِي، وَبِهِ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي إحْدَى رِوَايَتَيْهِ. وَاخْتَلَفَ الَّذِينَ قَالُوا بِعُمُومِ الْكَفَّارَةِ فِي تَوْجِيهِ ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ وَرَدَ الْقُرْآنُ بِالْعَمْدِ، وَجَعَلَ الْخَطَأُ تَغْلِيظًا؛ قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: {مُتَعَمِّدًا} [المائدة: ٩٥] خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ، فَأُلْحِقَ بِهِ النَّادِرُ، كَسَائِرِ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ.
الثَّالِثُ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: إنَّهُ وَجَبَ الْجَزَاءُ فِي الْعَمْدِ بِالْقُرْآنِ، وَفِي الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ بِالسُّنَّةِ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ وَجَبَ بِالْقِيَاسِ عَلَى قَاتِلِ الْخَطَأِ بِعِلَّةِ أَنَّهَا كَفَّارَةُ إتْلَافِ نَفْسٍ؛ فَتَعَلَّقَتْ بِالْخَطَأِ، كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ؛ وَتَعَلَّقَ مُجَاهِدٌ بِأَنَّهُ أَرَادَ مُتَعَمِّدًا لِلْقَتْلِ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ، لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: ٩٥]، وَلَوْ كَانَ ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ لَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute