ثُمَّ دَعَا بِشِبْلِ بْنِ مَعْبَدٍ، فَشَهِدَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَشَهِدَ نَافِعٌ بِمِثْلِ شَهَادَةِ أَبِي بَكْرَةَ؛ وَلَمْ يَشْهَدْ زِيَادٌ بِمِثْلِ شَهَادَتِهِمْ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: رَأَيْته جَالِسًا بَيْنَ رِجْلَيْ امْرَأَةٍ. فَرَأَيْت قَدَمَيْنِ مَخْضُوبَتَيْنِ تَخْفِقَانِ، وَاسْتَيْنِ مَكْشُوفَيْنِ، وَسَمِعْت حَفَزَانًا شَدِيدًا. قَالَ: هَلْ رَأَيْت كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهَلْ تَعْرِفُ الْمَرْأَةَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ أُشَبِّهُهَا. قَالَ لَهُ: تَنَحَّ. وَأَمَرَ بِالثَّلَاثَةِ فَجُلِدُوا الْحَدَّ، وَقَرَأَ: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: ١٣]. قَالَ الْمُغِيرَةُ: اشْفِنِي مِنْ الْأَعْبُدِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ لَهُ: اُسْكُتْ، أَسْكَتَ اللَّهُ نَأْمَتَك، أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ تَمَّتْ الشَّهَادَةُ لَرَجَمْتُكَ بِأَحْجَارِكَ. وَرَدَّ عُمَرُ شَهَادَةَ أَبِي بَكْرَةَ، وَكَانَ يَقُولُ لَهُ: تُبْ أَقْبَلْ شَهَادَتَكَ، فَيَأْبَى حَتَّى كَتَبَ عَهْدَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ: هَذَا مَا عَهِدَ بِهِ أَبُو بَكْرَةَ نُفَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ، وَهُوَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ زَنَى بِجَارِيَةِ بَنِي فُلَانٍ. وَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ حِينَ لَمْ يَفْضَحْ الْمُغِيرَةَ.
وَرُوِيَ أَنَّ الثَّلَاثَةَ لَمَّا أَدَّوْا الشَّهَادَةَ عَلَى الْمُغِيرَةِ، وَتَقَدَّمَ زِيَادٌ آخِرُهُمْ قَالَ لَهُ عُمَرُ قَبْلَ أَنْ يَشْهَدَ: إنِّي لَأَرَاك حَسَنَ الْوَجْهِ. وَإِنِّي لَأَرْجُو أَلَّا يَفْضَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْك رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَالَ مَا قَالَ. وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلُ ظُهُورِ زِيَادٍ، فَلَيْتَهُ وَقَفَ عَلَى ذَلِكَ، وَمَا زَادَ، وَلَكِنَّهُ اسْتَمَرَّ حَتَّى خَتَمَ الْحَالَ بِغَايَةِ الْفَسَادِ. وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ عُمَرَ قَضَاءً ظَاهِرًا فِي رَدِّ شَهَادَةِ الْقَذَفَةِ، إذَا لَمْ تَتِمَّ شَهَادَتُهُمْ؛ وَفِي قَبُولِهَا بَعْدَ التَّوْبَةِ. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ وَالْأُصُولِ.
وَتَعَلَّقَ عُلَمَاؤُنَا بِقَوْلِهِ: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: ٥]، وَقَالُوا: إنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ رَاجِعٌ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ، مَا عَدَا إقَامَةِ الْحَدِّ، فَإِنَّهُ سَقَطَ بِالْإِجْمَاعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute