وَاسْتَعْمَلَهُ، وَقَالَ لَهُ: إنِّي أَبْعَثُكَ إلَى أَرْضٍ قَدْ بَاضَ فِيهَا الشَّيْطَانُ وَفَرَّخَ؛ فَالْزَمْ مَا تَعْرِفُ، وَلَا تُبَدَّلْ فَيُبَدِّلُ اللَّهُ بِك. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؛ أَعِنِّي بِعِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ؛ فَإِنِّي وَجَدْتُهُمْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَهَذِهِ الْأَعْمَالُ كَالْمِلْحِ لَا يَصْلُحُ الطَّعَامُ إلَّا بِهِ. قَالَ: فَاسْتَعِنْ بِمَنْ أَحْبَبْت. فَاسْتَعَانَ بِتِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا، مِنْهُمْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَهِشَامُ بْنُ عَامِرٍ. ثُمَّ خَرَجَ أَبُو مُوسَى، حَتَّى أَنَاخَ بِالْبَصْرَةِ، وَبَلَغَ الْمُغِيرَةَ إقْبَالُهُ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا جَاءَ أَبُو مُوسَى زَائِرًا وَلَا تَاجِرًا، وَلَكِنَّهُ جَاءَ أَمِيرًا. ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو مُوسَى فَدَفَعَ إلَى الْمُغِيرَةِ كِتَابَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِيهِ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَمْرٌ عَظِيمٌ، فَبَعَثْت أَبَا مُوسَى أَمِيرًا؛ فَسَلِّمْ إلَيْهِ مَا فِي يَدَيْك، وَالْعَجَلَ. فَأَهْدَى الْمُغِيرَةُ لِأَبِي مُوسَى وَلِيدَةً مِنْ وَلِيدَاتِ الطَّائِفِ تُدْعَى عَقِيلَةُ، وَقَالَ لَهُ: إنِّي قَدْ رَضِيتهَا لَك. وَكَانَتْ فَارِهَةً. وَارْتَحَلَ الْمُغِيرَةُ وَأَبُو بَكْرَةَ وَنَافِعُ بْنُ كَلَدَةَ، وَزِيَادٌ، وَشِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ، حَتَّى قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ، فَجَمَعَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؛ سَلْ هَؤُلَاءِ الْأَعْبُدِ كَيْف رَأَوْنِي مُسْتَقْبِلَهُمْ أَوْ مُسْتَدْبِرَهُمْ، وَكَيْف رَأَوْا الْمَرْأَةَ، وَهَلْ عَرَفُوهَا، فَإِنْ كَانُوا مُسْتَقْبِلِيَّ فَكَيْفَ لَمْ أَسْتَتِرْ، أَوْ مُسْتَدْبِرِيَّ فَبِأَيِّ شَيْءٍ اسْتَحَلُّوا النَّظَرَ إلَيَّ عَلَى امْرَأَتِي، وَاَللَّهِ مَا أَتَيْت إلَّا زَوْجَتِي، وَكَانَتْ تُشْبِهُهَا. فَبَدَأَ بِأَبِي بَكْرَةَ، فَشَهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ رَآهُ بَيْنَ رِجْلَيْ أُمِّ جَمِيلٍ، وَهُوَ يُدْخِلُهُ وَيُخْرِجُهُ كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ. قَالَ: وَكَيْفَ رَأَيْتَهُمَا؟ قَالَ: مُسْتَدْبِرُهُمَا. قَالَ: وَكَيْفَ اسْتَثْبَتَّ رَأْسَهَا؟ قَالَ: تَحَامَلْتُ حَتَّى رَأَيْتُهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute