فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْبَرَكَةِ؛ فَكَانَ لَا يَتَّجِرُ فِي سُوقٍ إلَّا رَبِحَ فِيهَا حَتَّى لَوْ اتَّجَرَ فِي التُّرَابِ لَرَبِحَ فِيهِ».
قَالَ: وَلَقَدْ كُنْت أَخْرُجُ إلَى الْكُنَاسَةِ بِالْكُوفَةِ فَلَا أَرْجِعُ إلَّا وَقَدْ رَبِحْت رِبْحًا عَظِيمًا.
وَقَدْ مَهَّدْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي صَرِيحِ الْحَدِيثِ وَتَلْخِيصِ الطَّرِيقَتَيْنِ، فَانْظُرُوهُ تَجِدُوهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤]
لِلْوِزْرِ مَعْنَيَانِ:
أَحَدُهُمَا: الثِّقَلُ؛ وَهُوَ الْمُرَادُ هَاهُنَا، يُقَالُ وَزَرَهُ يَزِرُهُ إذَا حَمَلَ ثِقَلَهُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ} [الشرح: ٢]. وَالْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا الذَّنْبُ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ} [الأنعام: ٣١] يَعْنِي ذُنُوبَهُمْ {أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [الأنعام: ٣١] أَيْ: بِئْسَ الشَّيْءُ شَيْئًا يَحْمِلُونَ.
وَالْمَعْنَى لَا تَحْمِلُ نَفْسٌ مُذْنِبَةٌ عُقُوبَةَ الْأُخْرَى؛ وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ كُلُّ نَفْسٍ مِنْهُمْ بِجَرِيرَتِهَا الَّتِي اكْتَسَبَتْهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: ٢٨٦].
وَقَدْ وَفَدَ أَبُو رِمْثَةَ رِفَاعَةُ بْنُ يَثْرِبِيٍّ التَّمِيمِيُّ مَعَ ابْنِهِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَقَالَ: أَمَا إنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْك وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ.
وَهَذَا إنَّمَا بَيَّنَّهُ لَهُمْ رَدًّا عَلَى اعْتِقَادِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ مُؤَاخَذَةِ الرَّجُلِ بِابْنِهِ وَبِأَبِيهِ وَبِجَرِيرَةِ حَلِيفِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
وَهَذَا حُكْمٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نَافِذٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَهُوَ أَلَّا يُؤْخَذَ أَحَدٌ بِجُرْمِ أَحَدٍ، بَيْدَ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِ النَّاسِ مِنْ بَعْضِ أَحْكَامٍ فِي مَصَالِحِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَحِمَايَةِ النَّفْسِ وَالْأَهْلِ عَنْ الْعَذَابِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute