وَهَذِهِ أَدِلَّةٌ ظَاهِرَةٌ غَالِبَةٌ عَالِيَةٌ، وَذَلِكَ مِنْ أَظْهَرِ الْأَدِلَّةِ. وَأَعْجَبُ لِرَأْسِ الْمُحَقِّقِينَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ يَقُولُ فِي مُعَارَضَةِ هَذَا: [وَذِكْرُ اللَّهِ] إنَّمَا شُرِعَ فِي الْقُرَبِ، وَالذَّبْحُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ.
قُلْنَا: هَذَا فَاسِدٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ يُعَارِضُهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ، كَمَا قُلْنَا.
الثَّانِي: أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ حَرَكَةٍ وَسَكْنَةٍ، حَتَّى فِي خُطْبَةِ النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ دَرَجَاتُهُ: بِالْوُجُوبِ وَالِاسْتِحْبَابِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الذَّبِيحَةَ قُرْبَةٌ بِدَلِيلِ افْتِقَارِهَا إلَى النِّيَّةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَك، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج: ٣٧].
فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ بِالْقَلْبِ؛ لِأَنَّ الذِّكْرَ يُضَادُّ النِّسْيَانَ، وَمَحَلُّ النِّسْيَانِ الْقَلْبُ، فَمَحَلُّ الذِّكْرِ الْقَلْبُ.
وَقَدْ رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اسْمُ اللَّهِ عَلَى قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ يُسَمِّي أَوْ لَمْ يُسَمِّ»، وَلِهَذَا تُجْزِئُهُ الذَّبِيحَةُ إذَا نَسِيَ التَّسْمِيَةَ تَعْوِيلًا عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ اسْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute