للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ مَقْفِلَهُ مِنْ تَبُوكَ، وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ جَاءَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ يَعْتَذِرُونَ إلَيْهِ، وَهُمْ ثَمَانُونَ رَجُلًا، فَقَبِلَ النَّبِيُّ ظَاهِرَ حَالِهِمْ، وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إلَى اللَّهِ، إلَّا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ، فَإِنَّهُمْ صَدَقُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -».

«قَالَ كَعْبٌ فِي حَدِيثِهِ: حَتَّى جِئْت فَسَلَّمْت عَلَيْهِ، فَتَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ، ثُمَّ قَالَ لِي: تَعَالَ فَجِئْت أَمْشِي حَتَّى جَلَسْت بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقُلْت لَهُ: وَاَللَّهِ مَا كَانَ لِي عُذْرٌ. فَقَالَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ، حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيك. قَالَ كَعْبٌ: وَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةَ، مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، قَالَ: فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ، أَوْ قَالَ: تَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ لِي نَفْسِي، وَالْأَرْضُ حَتَّى مَا هِيَ بِالْأَرْضِ الَّتِي كُنْت أَعْرِفُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

فَمَا النَّاسُ بِالنَّاسِ الَّذِينَ عَهِدْتُهُمْ ... وَلَا الْأَرْضُ بِالْأَرْضِ الَّتِي كُنْت أَعْرِفُ

وَسَاقَ الْحَدِيثَ إلَى قَوْلِهِ: وَصَلَّيْت الصُّبْحَ صَبِيحَةَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، وَأَنَا كَمَا قَالَ اللَّهُ: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ} [التوبة: ١١٨]. إذَا صَارِخٌ يَصْرُخُ أَوْفَى عَلَى ظَهْرِ جَبَلِ سَلْعٍ يَقُولُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَبْشِرْ يَا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، أَبْشِرْ، فَخَرَرْت سَاجِدًا» وَسَاقَ الْحَدِيثَ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعَاقِبَ الْمُذْنِبَ بِتَحْرِيمِ كَلَامِهِ عَلَى النَّاسِ أَدَبًا لَهُ، وَهَكَذَا فِي الْإِنْجِيلِ، وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: وَعَلَى تَحْرِيمِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: وَالْحَدِيثُ مُطَوَّلٌ، وَفِيهِ فِقْهٌ كَثِيرٌ قَدْ أَوْرَدْنَاهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ عَلَيْكُمْ، وَاَللَّهُ يَنْفَعُنَا وَإِيَّاكُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>