وَقَدْ أَعْطَى جَمِيعَهُ وَبَعْضَهُ، وَأَعْطَى مِنْهُ لِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَلَيْسُوا مِمَّنْ ذَكَرَ اللَّهُ فِي التَّقْسِيمِ، وَرَدَّهُ عَلَى الْمُجَاهِدِينَ بِأَعْيَانِهِمْ تَارَةً أُخْرَى؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ هَذِهِ الْأَقْسَامِ بَيَانُ مَصْرِفٍ وَمَحَلٍّ، لَا بَيَانُ اسْتِحْقَاقٍ وَمِلْكٍ؛ وَهَذَا مَا لَا جَوَابَ عَنْهُ لِمُنْصِفٍ.
وَأَمَّا الصَّفِيُّ فَحَقٌّ فِي حَيَاتِهِ، وَقَدْ انْقَطَعَ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَّا عِنْدَ أَبِي ثَوْرٍ، فَإِنَّهُ رَآهُ بَاقِيًا لِلْإِمَامِ، فَجَعَلَهُ مَجْعَلَ سَهْمِ النَّبِيِّ، وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا يَرَوْنَ لِلرَّئِيسِ فِي الْغَنِيمَةِ مَا قَالَ الشَّاعِرُ:
لَك الْمِرْبَاعُ مِنْهَا وَالصَّفَايَا ... وَحُكْمُك وَالنَّشِيطَةُ وَالْفُضُولُ
فَكَانَ يَأْخُذُ بِغَيْرِ شَرْعٍ وَلَا دِينٍ الرُّبُعَ مِنْ الْغَنِيمَةِ؛ وَيَصْطَفِي مِنْهَا، ثُمَّ يَتَحَكَّمُ بَعْدَ الصَّفِيِّ فِي أَيِّ شَيْءٍ أَرَادَ، وَكَانَ مَا شَذَّ مِنْهَا لَهُ، وَمَا فَضَلَ مِنْ خُرْثِيٍّ وَمَتَاعٍ؛ فَأَحْكَمَ اللَّهُ الدَّيْنَ بِقَوْلِهِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: ٤١] وَأَبْقَى سَهْمَ الصَّفِيِّ لِرَسُولِهِ، وَأَسْقَطَ حُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا أَوْ أَوْسَعُ مِنْهُ عِلْمًا.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: ادَّعَى الْمُقَصِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ خُمُسَ الْخُمُسِ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْرِفُهُ: فِي كِفَايَةِ أَوْلَادِهِ وَنِسَائِهِ، وَيَدَّخِرُ مِنْ ذَلِكَ قُوتَ سَنَتِهِ، وَيَصْرِفُ الْبَاقِيَ إلَى الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ؛ وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الدَّلِيلَ قَدْ تَقَدَّمَ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ كُلَّهُ لِرَسُولِهِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ».
الثَّانِي: مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيح عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ قَالَ: قَالَ: بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ عُمَرَ أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَأُ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute